الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَٱجْعَلُواْ بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَآ إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَّعْوَتُكُمَا فَٱسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ }

القراءة: قرأ ابن عامر ولا تتبعان خفيفة النون والباقون بالتشديد. الحجة: من قرأ بالنون الشديدة كسرها لوقوعها بعد ألف التثنية فأشبهت نون الاثنين في رجلان ولم يعتد بالنون الساكنة قبلها لسكونها وخفتها فصارت المكسورة كأنها وليت الألف ومن قرأ بالتخفيف فإنه يمكن أن يكون خفف الثقيلة للتضعيف كما خففوا رب وإن ونحوهما إلا أنه حذف الأولى من المثلين كما أبدلوا الأولى من المثلين في نحو قيراط ودينار ولزم ذلك في هذا الموضع لأن الحذف لو لحق الثانية للزم التقاء الساكنين والتقاء الساكنين على هذا الحدّ غير مأخوذ به عند العامة وإن شئت كان على لفظ الخبر والمعنى الأمر كقولهيتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } [البقرة: 228] ولا تضار والدة بولدها } [البقرة: 233] أي لا ينبغي ذلك وإن شئت جعلته حالاً من استقيما والتقدير استقيما غير متبعين ويدل على ذلك قول الشاعر:
فَلا أسْقي وَلاَ يَسْقى شَريبي   وَيَرْويـــهِ إذا أَوْرَدْتُ مائِي
وكقول الفرزدق:
بِأَيْدِي رجالٍ لَمْ يَشيمُوا سُيُوفَهُمْ   وَلَم تَكْثُرِ الْقَتْلى بِها حينَ سُلَّتِ
اللغة: تبوءا أي اتخذا يقال تبوأ لنفسه بيتاً أي اتخذه وبوأت له بيتاً أي اتخذته له. ويقال: إن تبوء وبوء بمعنى أي اتخذ بيتاً مثل بدّل وتبدَّل وخلَّص وتخلَّص. قال أبو علي تبوء فعل يتعدى إلى مفعولين واللام في قوله { لقومكما } كالتي في قوله:ردف لكم } [النمل: 72] ويقّوي ذلك قوله:وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } [الحج: 26] فدخلت اللام على غير المطاوع كما دخلت على المطاوع في قولـه: { تبوّءا لقومكما } والطمس محو الأثر يقال: طمست عينه اطمسها طمساً وطموساً وطمست الريح آثار الديار والطمس تغير إلى الدثور والدروس قال كعب بن زهير:
مِنْ كُلّ نَضَّاخَةِ الذِّفْرى إذا عَرِقَتْ   عرْضَتُها طامِسُ الأَعْلامِ مَجْهُولُ
الإعراب: مِصر غير منصرف لأنه مؤنث معرفة ولو صرفت لخفتها كما تصرف هند لكان جائزاً وترك الصرف أقيس وقوله: { بيوتاً } مفعول به وليس بظرف مكان لاختصاصه والبيوت هنا كالغرف في قولـه تعالى:لنبوءنّهم من الجنة غرفاً فلا يؤمنوا } [العنكبوت: 58] يحتمل وجهين من الإعراب النصب والجزم فأما النصب ففيه وجهان أحدهما: أن يكون على جواب صيغة الأمر بالفاء والآخر: أن يكون عطفاً على ليضلّوا أي ليضلّوا فلا يؤمنوا وهذا قول المبرد وعلى هذا فيكون قوله: { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم } اعتراضاً وأما الجزم فيكون على وجه الدعاء عليهم وتقديره فلا آمنوا ومثله قول الأعشى:
فَلا يَنْبَسِطْ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْكَ مَا انْزَوَى   وَلا تَلقَـــنــي إلاَّ وَأَنْفُــكَ راغِــــمُ
المعنى: { وأوحينا إلى موسى وأخيه } أي أمرناهما { أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتاً } أي اتخذا لمن آمن بكما بمصر يعني البلدة المعروفة بيوتاً تسكنونها وتأوون إليها { واجعلوا بيوتكم قبلة } اختلف في ذلك فقيل: لما دخل موسى مصر بعد ما أهلك الله فرعون أمروا باتخاذ مساجد يذكر فيها اسم الله تعالى وأن يجعلوا مساجدهم نحو القبلة أي الكعبة وكانت قبلتهم إلى الكعبة عن الحسن ونظيره في بيوت

السابقالتالي
2