الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } * { فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

اللغة: الذرية الجماعة من نسل القبيلة وقد تقدم القول في أصلها ووزنها والفتنة أصلها البلية وهي معاملة تظهر الأمور الباطنة. يقال: فتنت الذهب إذا أحرقته بالنار ليظهر الخلاص وقوله:يوم هم على النار يفتنون } [الذاريات: 13] أي يحرقون لما فيه من إظهار حالهم في الضلال وقوله:والفتنة أشد من القتل } [البقرة: 191] معناه التعذيب للرّدِّ عن الدين لما فيه من إظهار النصرة أشد. الإعراب: يا قوم حذفت منه ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة منها وهو في النداء أحسن من إثباتها لقوة النداء على التغيير والفاء في قوله: { فقالوا } فاء العطف وجواب الأمر كما تقول قال السائل كذا فقال المجيب كذا وإنما جازت الفاء في الجواب ولم تجز الواو لأن الفاء تترتب من غير مهلة فهي موافقة لمعنى وجوب الثاني بالأول وليس كذلك الواو. المعنى: ثم بيَّن سبحانه من آمن من قوم موسى ع فقال: { فما آمن لموسى } أي لم يصدّق موسى في ما ادّعى من النبوة مع ما أظهره من المعجزات الظاهرة: { إلا ذرية من قومه } أي أولاد من قوم فرعون. وقيل: أراد من قوم موسى ع وهم بنو إسرائيل الذين كانوا بمصر واختلف من قال بالأول فقيل: إنهم قوم كانت أمهاتهم من بني إسرائيل وآباؤهم من القبط فاتبعوا أمهاتهم وأخوالهم عن ابن عباس. وقيل: إنهم أناس يسير من قوم فرعون منهم امرأة فرعون ومؤمن آل فرعون وجارية وامرأة هي ماشطة امرأة فرعون عن عطية عن ابن عباس. وقيل: إنهم بعض أولاد القبط لم يستجب آباؤهم موسى واختلف من قال بالثاني. فقيل: هم جماعة من بني إسرائيل أخذهم فرعون لتعلم السحر وجعلهم من أصحابه فآمنوا بموسى عن الجبائي. وقيل: أراد مؤمني بني إسرائيل وكانوا ستمائة ألف وكان يعقوب دخل مصر منهم باثنين وسبعين إنساناً فتوالدوا حتى بلغوا ستمائة ألف وإنما سمّاهم ذرية على وجه التصغير لضعفهم عن ابن عباس في رواية أخرى وقال مجاهد: أراد بهم أولاد الذين أرسل إليهم موسى من بني إسرائيل لطول الزمان هلك الآباء وبقي الأبناء. { على خوف من فرعون } يعني آمنوا وهم خائفون من معرة فرعون: { وملئهم } ومن أشرافهم ورؤسائهم قال الزجاج وإنما جاز أن يقال { وملئهم } لأن فرعون ذو أصحاب يأتمرون له. وقيل: إن الضمير في ملئهم راجع إلى الذرية لأن آباءهم كانوا من القبط وكانوا يخافون قومهم من القبط أن يصرفوهم عن دينهم ويعذّبوهم { أن يفتنهم } أي يصرفهم عن الدين يعني أن يمتحنهم لمحنة لا يمكنهم الصبر عليها فينصرفون عن الدين وكان جنود فرعون يعذّبون بني إسرائيل فكان خوفهم منه ومنهم { وإن فرعون لعالٍ في الأرض } أي مستكبر باغ طاغ في أرض مصر ونواحيها { وإنه لمن المسرفين } أي من المجاوزين الحد في العصيان لأنه ادَّعى الربوبية وأسرف في القتل والظلم والإسراف التجاوز عن الحد في كل شيء.

السابقالتالي
2