الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } * { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

اللغة: الخوف والفزع والجزع نظائر وهو إزعاج القلب لما يتوقع من المكروه والأمن ضده والحزن غلظ الهم مأخوذ من الحَزْن وهي الأرض الغليظة والسرور ضدّه والبشرى الخبر مما يظهر سروره في بشرة الوجه والبشارة مثلها والعزة شدة الغلبة من عزَّه يعزّه إذا غلبه ومنه قولهم إذا عز أخوك فهو يعني إذا غلبك ولم تقاومه فلِن له وعز الشيء يَعزُّ بفتح العين إذا اشتد ويعِزُّ بكسرها إذا صار عزيزاً لا يوجد فكأنه اشتد وجوده. الإعراب: الذين آمنوا يحتمل موضعه ثلاثة أوجه من الإعراب الأول: النصب على أنه صفة أولياء الله والثاني: الرفع على المدح والثالث: الرفع على الابتداء وخبره لهم البشرى فإن جعلت الذين آمنوا صفة لم تقف على يحزنون بل تقف على يتقون وإن جعلته مبتدأ وقفت على يحزنون دون يتقون لأن لهم البشرى خبر عنهم والبشرى يرتفع بالظرف على الأقوال الثلاثة { ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعاً } كسرت إنَّ للاستئناف بالتذكير لما ينفي الحزن ولا يجوز أن يكون كسرت لأنها وقعت بعد القول لأنه يصير حكاية عنهم وان النبي صلى الله عليه وسلم يحزن لذلك وهذا كفر ويجوز فتحها على تقدير اللام كأنه قال ولا يحزنك قولهم لأن العزة لله جميعاً وقد غلط القتيبي في هذا فزعم أن فتحها يكون كفراً وليس الأمر كما ظنَّه فإنها إذا كانت معمولة للقول لم يجز وإذا تعلقت بغير القول جاز سواء فتحت أو كسرت ومثل الفتح قول ذي الرمة:
فَما هَجَرَتْك النّفْس يا مَيُّ أَنَّها   قَلَتْك ولَكِنْ قَلَّ مِنْكِ نَصيبُها
وَلكِنَّهُمْ يا أَمْلَحَ النَّاسِ أَوْلَعُوا   بِقَوْلِ إذا ما جِئْتُ هذا جَنيبُها
وقال القتيبي: عند ذكر هذه المسألة إذا قلت هذا قاتل أخي بالتنوين دلَّ على أنه لم يقتل وإذا قلت هذا قاتل أخي بحذف التنوين دلَّ على أنه قتل وهذا غلط باجماع من النحويين لأن التنوين قد تحذف وأنت تريد الحال والاستقبال قال الله تعالىهدياً بالغ الكعبة } [المائدة: 95] يريد بالغاً الكعبة وكل نفس ذائقة الموت } [آل عمران: 185] أي ستذوق. المعنى: { ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم } بيَّن سبحانه أن المطيعين لله الذين تولوا القيام بأمره وتولاهم سبحانه بحفظه وحياطته لا خوف عليهم يوم القيامة من العقاب { ولا هم يحزنون } أي لا يخافون واختلف في أولياء الله فقيل: هم قوم ذكرهم الله بما هم عليه من سيما الخير والإخبات عن ابن عباس وسعيد بن جبير. وقيل: هم المتحابون في الله ذكر ذلك في خبر مرفوع. وقيل: هم الذين آمنوا وكانوا يتقون وقد بيَّنهم في الآية التي بعدها عن ابن زيد. وقيل: إنهم الذين أدُّوا فرائض الله وأخذوا بسنن رسول الله وتورَّعوا عن محارم الله وزهدوا في عاجل هذه الدنيا ورغبوا فيما عند الله واكتسبوا الطيب من رزق الله لمعايشهم لا يريدون به التفاخر والتكاثر ثم أنفقوه فيما يلزمهم من حقوق واجبة فأولئك الذين يبارك الله لهم فيما اكتسبوا ويثابون على ما قدموا منه لآخرتهم وهو المروي عن علي بن الحسين عليه السلام.

السابقالتالي
2 3