الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَآءِ ٱللَّهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ } * { وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ ٱللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ } * { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَآءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

القراءة: قرأ حفص عن عاصم ويوم يحشرهم بالياء والباقون بالنون. الحجة، والإعراب: قال أبو علي: يحتمل قولـه { كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار } ثلاثة أوجه أحدها: أن يكون صفة ليوم والآخر: أن يكون صفة للمصدر المحذوف والثالث: أن يكون حالاً من الضمير في نحشرهم فإذا جعلته صفة ليوم احتمل ضربين من التأويل أحدهما: أن يكون التقدير كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة فحذفت الكلمة لدلالة المعنى عليها ومثل ذلك في حذف هذا النحو منه قولـهفإذا بلغن أجلهن فأمسكوهنَّ بمعروف } [البقرة: 231] أي أمسكوهن قبله وكذلك قولـهيتربصن بأنفسهن } [البقرة: 228] أي يتربصن بعدهم ويجوز أن يكون المعنى كأن لم يلبثوا قبله فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ثم حذفت الهاء من الصفة كقولك الناس رجلان رجل أهنتم ورجل أكرمتم ومثل هذا في حذف المضاف واقامة الصفة المضاف إليه مقامه قولـهترى الظالمين مشفقين مما كسبوا } [الشورى: 22] وهو واقع بهم التقدير وجزاؤه واقع بهم فحذف المضاف وإن جعلته صفة للمصدر كان على هذا التقدير الذي وصفناه وبمثله وإن جعلته حالاً من الضمير المنصوب لم يحتج إلى حذف شيء من اللفظ لأن الذكر من الحال قد عاد إلى ذي الحال والمعنى نحشرهم مشابهة أحوالهم أحوال من لم يلبث إلا ساعة. وأما يوم نحشرهم فإنه يصلح أن يكون معمولاً لأحد شيئين أحدهما: أن يكون معمول يتعارفون والآخر: أن يكون { يوم نحشرهم } لما دلَّ عليه قولـه { كأن لم يلبثوا } فإذا جعلته معمولاً لقولـه { يتعارفون } انتصب يوم على وجهين أحدهما: أن يكون ظرفاً معناه يتعارفون في هذا اليوم والآخر: أن يكون مفعولاً على السعة على قوله يا سارق الليلة أهل الدار ومعنى { يتعارفون } يحتمل أمرين أحدهما: أن يكون المعنى مدة إماتتهم التي وقع حشرهم بعدها وحذف المفعول للدلالة عليه كما حذف في مواضع كثيرة وعدي تفاعل كما يعدي في قوله تخاطأت النبل أحشاءه أو يكون أعمل الفعل الذي دلَّ عليه يتعارفون ألا ترى أنه قد دلَّ على يستعملون ويتعرفون وتعرفوا مدة اللبث ها هنا كما تعرفوها في قولـهقال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم } [الكهف: 19] والآخر في التعارف ما جاء من قولهوأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين } [الطور: 26] فتعارفهم يكون على أحد هذين الوجهين فعلى هذا يكون قولـه ويوم نحشرهم معمول يتعارفون والآخر أن يكون يوم نحشرهم معمول ما دلَّ عليه قولـه { كأن لم يلبثوا } ألا ترى أن المعنى تشابه أحوالهم أحوال من لم يلبث فيعمل في الظرف هذا المعنى ولا يمتنع المعنى من أن يعمل في الظرف وإن تقدم الظرف عليه كقولهم: أكل يوم لك ثوب وإذا حملته على هذا لم يجز أن يكون صفة للمصدر لأن الموصوف الذي هو المصدر موضعه بعد الفعل تقديره يوم نحشرهم حشراً كأن لم يلبثوه أو لم يلبثوا قبله والصفة لا يتقدم عليها ما تعمل فيه.

السابقالتالي
2 3