الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِن تَصْدِيقَ ٱلَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ ٱلْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَمِنهُمْ مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِٱلْمُفْسِدِينَ }

اللغة: القرآن عبارة عن هذا الكلام الذي هو في أعلى طبقات البلاغة مع حسن النظام والجزالة، والتفصيل والتقسيم والتمييز نظائر وضدُّه التلبيس والتخليط والسورة جملة منزلة محيطة بآيات الله كإحاطة سور البناء بالبناء والاستطاعة حالة للحيّ تنطاع بها الجوارح للفعل وهي مأخوذة من الطوع والقدرة مأخوذة من القدر فهي معنى يمكن أن يوجد بها الفعل وإلا يوجد لتقصير قدره عن ذلك المعنى. الإعراب: { وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله } أي لأن يفترى ويجوز أن يكون المعنى ما كان هذا القرآن افتراء فيكون مصدراً في موضع نصب بأنه خبر كان وتصديق عطف عليه أي ولكن كان تصديق الذي بين يديه { أم يقولون افتراه } أم هذه هي المنقطعة وتقديره بل أيقولون وكيف في موضع نصب على أنه خبر كان. المعنى: ثم ردَّ الله سبحانه على الكفار قولهم إئت بقرآن غير هذا أو بدّله وقولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم افترى هذا القرآن فقال { وما كان هذا القرآن أن يفترى } أي افتراءً { من دون الله } فأقام أن مع الفعل مقام المصدر بل هي وحي من الله ومتلقى منه { ولكن تصديق الذي بين يديه } من الكتب كما قال في موضع آخرمصدقاً لما بين يديه } [البقرة: 97] و [آل عمران: 3] وهذه شهادة من الله بأن القرآن صدق وشاهد لما تقدم من التوراة والإنجيل والزبور بأنها حق ومن وجه آخر هو شاهد لها من حيث إنه مصداق لها على ما تقدَّمت البشارة به فيها. وقيل: معناه تصديق الذي بين يديه في المستقبل من البعث والنشور والحساب والجزاء. { وتفصيل الكتاب } أي تبيين المعاني المجملة في القرآن من الحلال والحرام والأحكام الشرعية. وقيل: معناه وبيان الأدلة التي تحتاجون إليها في أمور دينكم { لا ريب فيه من رب العالمين } أي لا شك فيه أنه نازل من عند الله وأنه معجز لا يقدر أحد على مثله وهذا غاية في التحدي { أم يقولون افتراه } هذا تقرير على موضع الحجة بعد مضي حجة أخرى وتقديره: بل أيقولون افتراه هذا فألزمهم على الأصل الفاسد إمكان أن يأتوا بمثله و { قل } لهم { فأتوا بسورة مثله } أي مثله في البلاغة لأنكم من أهل لسانه فلو قدر على ذلك لقدرتم أنتم أيضاً عليه فإذا عجزتم عن ذلك فاعلموا أنه ليس من كلام البشر وأنه منزل من عند الله عزَّ اسمه. وقيل: بسورة مثله أي بسورة مثل سورة منه وقال لأنه إنما التمس من هذا شبه الجنس { وادعوا من استطعتم من دون الله } أي وادعوا من قدرتم عليه من دون الله واستعينوا به للمعاضدة على المعارضة بسورة مثله { إن كنتم صادقين } في أنَّ هذا القرآن مفترى من دون الله وهذا أيضاً غاية في التحدي والتعجيز.

السابقالتالي
2