الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَآؤُهُمْ مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ } * { فَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ } * { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ مَوْلاَهُمُ ٱلْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

القراءة: قرأ تتلو بالتاء أهل الكوفة غير عاصم وروح وزيد عن يعقوب والباقون تبلو بالباء. الحجة: قال أبو علي من قرأ تبلو فمعناه تختبر من قولهم البلاء ثم الثناءَ أي الاختبار للمثنى عليه ينبغي أن يكون قبل الثناء ليكون الثناء عن علم بقدر ما يوجبه ومعنى اختبارها ما أسلفت أنه إن قدم خيراً أو شراً جوزي عليه كما قالفمن يعمل مثقال ذرة } [الزلزلة: 7] إلى آخرهومن عمل صالحاً فلنفسه } [فصلت: 46] وغير ذلك من الآي ومن قرأ تتلو فإنه من التلاوة التي هي القراءة دليله قولهفأُولئك يقرؤون كتابهم } [الإسراء: 71] وقولهإقرأ كتابك } [الإسراء: 14] ويكون تتلو تتبع من قولهم تلا الفريضة النفل إذا أتبعها النفل قال.
عَلى ظَهْرِ عادِيٍّ كَأَنَّ أُرُومَهُ   رِجـــالٌ يُتَلُّونَ الصَلاةَ قِيامُ
فيكون المعنى تتبع كل نفس ما أسلفت من حسنة أو سيئة قال:
قَدْ جَعَلَتْ دَلْوِي تَسْتَتْلِينِي   وَلا أُحِبُّ تَبَعَ الْقَرِينِ
أي تستتبعني من ثقلها. اللغة: التنزيل التفريق مأخوذة من قولهم زلت الشيء عن مكانه أزيله وزيلته للكثرة من هذا إذا نحيته عن مكانه وزايلت فلاناً إذا فارقته هنالك أي في ذلك المكان وهو ظرف فهنا للقريب وهنالك للبعيد وهناك لما بينهما قال زهير:
هُنالِـكَ إنْ يُسْتَخْبَلُـوا المالَ يُخْبِلُوا   وَإنْ يُسْأَلُوا يُعْطُوا وَإنْ يَيْسِرُوا يَغْلُوا
والإسلاف تقديم أمر لما بعده فمن أسلف الطاعة لله جوزي بالثواب ومن أسلف المعصية جوزي بالعقاب. الإِعراب: جميعاً نصب على الحال { مكانكم } قال الزجاج هو منصوب على الأَمر والمعنى انتظروا مكانكم حتى يفصل بينكم والعرب تتوعد فتقول مكانك وانتظرني وهي كلمة جرت على الوعيد. وأقول: إن الصحيح عند المحققين أن مكانك ودونك من أسماء الأَفعال فيكون مكانكم ههنا اسماً لأَلْزِموا مبنياً على الفتح وليس بمنصوب نصب الظروف وكُمْ لا محل له من الإِعراب إذ هو حرف الخطاب وأنتم رفع تأكيد للضمير في مكانكم وشركاؤكم عطف عليه وهذا كما تقول في قولهم عليك زيداً أن الكاف حرف الخطاب لا محل له من الإِعراب وعلى ههنا اسم الفعل وليس بحرف { فكفى بالله شهيداً }. قال الزجاج: شهيداً منصوب على التمييز إن شئت وإن شئت على الحال. إن كنا إنْ بمنزلة ما النفي أي ما كنا عن عبادتكم إلا غافلين قاله الزجاج: وأقول الصحيح أنَّ إنْ هذه هي المخففة من الثقيلة وإذا كانت مخففة من الثقيلة يلزمها اللام ليفرَّق بينها وبين النافية والتقدير إنا كنا على عبادتكم غافلين وهنالك منصوب بتبلو إلا أنه غير متمكن واللام زائدة كسرت لالتقاء الساكنين. المعنى: ولما تقدم ذكر الجزاء بين سبحانه وقت الجزاء فقال { ويوم نحشرهم جميعاً } أي نحشر الخلائق أجمعين أي نجمعهم من كل أوب إلى الموقف { ثم نقول للذين أشركوا } في عبادتهم مع الله غيره وفي أموالهم فقالوا: هذا لله وهذا لشركائنا { مكانكم أنتم وشركاؤكم } أي أثبتوا وألزموا مكانكم أنتم مع شركائكم يعني الأَوثان فقد صحبتموهم في الدنيا فاصحبوهم في المحشر.

السابقالتالي
2