الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

القراءة: قرأ ابن عامر ويعقوب { لَقضى } بفتح القاف { أَجَلَهم } منصوب والباقون لقُضِي على ما لم يسم فاعله أجلُهم بالرفع. الحجة: قال أبو علي: اللام في قولـه { لقضي } إليهم جواب { لو } في قولـه { ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير } والمعنى والله أعلم ولو يعجل الله للناس دعاء الشرّ أي ما يدعون به من الشر على أنفسهم في حال ضجر أو بطر استعجاله إياهم بدعاء الخير فأضاف المصدر إلى المفعول فحذف الفاعل كقولـه تعالىلا يسأم الإنسان من دعاء الخير } [فصلت: 49] في حذف ضمير الفاعل والتقدير ولو يعجل الله للناس الشر استعجالاً مثل استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم قال أبو عبيدة لقضي إليهم أجلهم معناه لفرغ من أجلهم وأنشد لأبي ذويب:
وَعَلَيْهِمَا مَسْرَودَتان قَضاهما   داودُ أَوْ صَنَــعُ السّوابِغِ تُبَّعُ
ومثل ما أنشده قول الآخر:
قَضَيْتَ أُمُوراً ثُمّ غادَرْتَ بَعْدَها   بوائِـــقَ في أَكْمـــامِها لَمْ تُفَتَّقِ
والمعنى لفرغ من أجلهم ومدتهم المضروبة للحياة وإذا انتهيت مدتهم المضروبة للحياة هلكوا وهذا قريب من قولهويدعو الإنسان بالشرّ دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً } [الإسراء: 11] وقالوا للميت مقضى كأنه قضى إذا مات وقضي فعل. التقدير استوفى أجله وفرغ منه قال ذو الرمة:
إذا الشَّخْص فيها هِزَّهُ الآلُ أَغْمَضَتْ   عَلَيْهِ كإغْماضِ الْمُقَضِّي هُجُولُها
المعنى أغمضت هجول هذه البلاد علي الشخص الذي فيها فلم ير لغرقه في الآل كإغماض المقضي وهو الميت وأما ما يتعلق به الجار من قولـه { لقضي إليهم } فكأنه لما كان معنى قضى فرغ وكان قولهم فرغ يتعدى بهذا الحرف في قوله:
الآنَ فقد فرغـْتَ إلى نُميْـــر   فَهذا حِينَ صِرْتُ لَهُمْ عَذابا
وفي التنزيلسنفرغ لكم أيها الثقلان } [الرحمن: 31] أمكن أن يكون الفعل يعدَّى باللام كما يعدّى بإلى وباللام في قولهبأن ربك أوحى لها } [الزلزلة: 5] فلما كان معنى قضى فرغ تعلّق بها إلى كذلك تعلق بقضي ووجه قراءة ابن عامر لقضي إليهم أجلهم على إسناد الفعل إلى الفاعل أن الذكر قد تقدَّم في قوله { ولو يعجل الله للناس } [يونس: 11] فقال: لقضى على هذا ومن حجته في ذلك قولـهثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده } [الأنعام: 2] فهذا الأجل الذي في هذه الآية هو الأجل المضروب للمحيا كما أن الأجل في قولـه { لقضي إليهم أجلهم } كذلك فكما أسند الفعل في الأجل المضروب للحياة إلى الفاعل في قولـهثم قضى أجلاً } [الأنعام: 2] عند الجميع كذلك أسنده ابن عامر في قوله لقضى إليهم أجلهم إلى الفاعل ولم يسنده إلى الفعل المبني للمفعول ويدل على أن الأجل في قولـه { ثم قضى أجلا } اجل المحيا أن قولـه وأجل مسمى عنده أجل البعث يبيّن ذلك قولهثم أنتم تمترون } [الأنعام: 2] أي أنتم أيها المشركون تشكُّون في البعث ومن قرأ لقضي فبنى الفعل للمفعول به فلأنه في المعنى مثل قول من بنى الفعل للفاعل.

السابقالتالي
2