الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنْ أَعْبُدُ ٱللَّهَ ٱلَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

اللغة: الشك وقوف في المعنى ونقيضه كمن يشك في كون زيد الدار فإنه لا يكون لإِحدى الصفتين عنده مزية على الأَخرى فيقف وهو معنى غير الاعتقاد عند أبي علي الجبائي وأبي هاشم ثم رجع عنه أبو هاشم. وقال: ليس بمعنى وهو اختيار القاضي. والتوفي قبض الشيء على التمام والإِقامة نصب الشيء ونقيضه الإِضجاع وأقام بالمكان استمرّ فيه كاستمرار القيام في جهة الانتصاب والمماسة والمطابقة والمجامعة نظائر وضدها المباينة والكشف رفع الساتر المانع من الإِدراك فكأن الضرّ ههنا ساتر يمنع من إدراك الإِنسان. الإِعراب: إن كنتم في شك شرط وجوابه في قوله لا أعبد وإنما صحَّ ذلك لأن معناه إن كنتم في شك فلا تطمعوا في تشكيكي حتى أعبد غير الله كعبادتكم. المعنى: ثم أمر سبحانه نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالبراءة عن كل معبود سواء فقال { قل } يا محمد لهؤلاء الكفار { يا أيها الناس إن كنتم في شكّ من ديني } أحقٌّ هو أم لا { فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله } لشكّكم في ديني { ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم } أي يقدر على إماتتكم وهذا يتضمن تهديداً لهم لأَن وفاة المشركين ميعاد عذابهم وإن قيل كيف قال { إن كنتم في شك من ديني } مع اعتقادهم بطلان دينه فجوابه من وجوه أحدها: أن يكون التقدير من كان شاكاً في أمري فهذا حكمه والثاني: أنهم في حكم الشاك للاضطراب الذي يجدونه في أنفسهم عند ورود الآيات والثالث: أن فيهم من كان شاكاً فغلب ذكرهم. { وأمرت أن أكون من المؤمنين } أي وأمرني ربي أن أكون من المصدقين بالتوحيد وإخلاص العبادة له { وأن أقم وجهك } هذا عطف على ما قبله فكأنه قال. وقيل: لي وأقم وجهك { للدين } أي استقم في الدين بإقبالك على ما أمرت به من القيام بأعباء الرسالة وتحمل أمر الشريعة بوجهك. وقيل: معناه وأقم وجهك في الصلاة بالتوجه نحو الكعبة { حنيفاً } أي مستقيماً في الدين { ولا تكونن من المشركين } هذا نهي عن الإِشراك مع الله سبحانه غيره في العبادة { ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك } إن أطعته { ولا يضرُّك } إن عصيته وتركته أي لا تدعه إلهاً كما يدعو المشركون الأَوثان آلهة وإنما قال ما لا ينفعك ولا يضرُّك مع أنه لو نفع وضرَّ لم تحسن عبادته أيضاً لأَمرين أحدهما: أن معناه ما لا ينفعك نفع الإِله ولا يضرُّك ضرره والثاني: أنه إذا كان عبادة غير الله ممن يضرُّ وينفع قبحة فعبادة من لا يضر ولا ينفع أقبح. { فإن فعلت فإنك إذاً من الظالمين } معناه فإن خالفت ما أمرت به من عبادة غير الله كنت ظالماً لنفسك بإدخالك الضرر الذي هو العقاب عليها وهذا الخطاب وإن كان متوجهاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر فالمراد به أمته { وإن يمسَسْك الله بضر } معناه وإن أحلَّ الله بك ضرّاً من بلاء أو شدة أو مرض { فلا كاشف له إلا هو } أي لا يقدر أحد على كشفه غيره كأنه سبحانه لما بيَّن أن غيره لا ينفع ولا يضر عقَّبه ببيان كونه قادراً على النفع والضرّ { وإن يردك بخير } من صحة جسم ونعمة وخصب ونحوها { فلا رادَّ لفضله } أي لا يقدر على منعه أحد وتقديره وإن يردك خيراً ويجوز فيه التقديم والتأخير يقال فلان يريدك بالخير ويريد بك الخير { يصيب به } أي بالخير { من يشاء من عباده } فيعطيه على ما تقتضيه الحكمة ويعلمه من المصلحة { وهو الغفور } لذنوب عباده { الرحيم } بهم.