الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ }

اللغة: العبادة في اللغة هي الذلة يقال: طريق معبّد أي: مذلل بكثرة الوطء قال طرفة:
تُبَارِي عِتَاقاً ناجِياتٍ وَأَتْبعَت   وَظِيِفاً وظيِفاً فَوْقَ مَورٍ مُعبَّد
وبعير معبّد: إِذا كان مطلياً بالقطران وسمي العبد عبداً لذلته وانقياده لمولاه والاستعانة طلب المعونة يقال: استعنته واستعنت به. الإعراب: قال أبو إِسحاق إِبراهيم بن السري الزجاج: موضع إِياك نصب بوقوع الفعل عليه وموضع الكاف في إِياك خفض بإِضافة إِيا إِليها اسم للضمير المنصوب إِلا أنه ظاهر يضاف إِلى سائر المضمرات نحو قولك: إِيّاك ضربت وإِيّاه ضربت وإِيّاي حدثت. ولو قلت: أيّا زيد حدثت كان قبيحاً لأنه خص به المضمر. وقد روى الخليل عن العرب: إِذا بلغ الرجل الستين فإِيّاه وإِيا الشوابّ وهذا كلام الزجاج ورد عليه الشيخ أبو علي الفارسي فقال: إن إيّا ليس بظاهر بل هو مضمر يدل على ذلك تغير ذاته وامتناع ثباته في حال الرفع والجر وليس كذلك الاسم الظاهر ألا ترى أنه يعتقب عليه الحركات في آخره ويحكم له بها في موضعه من غير تغير نفسه فمخالفته للمظهر فيما وصفناه يدل على أنه مضمر ليس بمظهر. قال: وحكى السراج عن المبرد عن أبي الحسن الأخفش أنه اسم مفرد مضمر يتغير آخره كما تتغير أواخر المضمرات لاختلاف أعداد المضمرين والكاف في إياك كالتي في ذلك وهي دالة على الخطاب فقط مجردة عن كونها علامة للمضمر فلا محل لها من الإعراب. وأقول: وهكذا الحكم في إِياي وإِيانا وإِياها في أنها حروف تلحق إيّا فالياء في إِياي دليل على التكلم والهاء في إِياه تدل على الغيبة لا على نفس الغائب ويجري التأكيد على إِيا منصوباً تقول: إِياك نفسك رأيت وإِياه نفسه ضربت وإِياهم كلهم عنيت فاعرفه ولا يجيز أبو الحسن إِياك وايّا زيد ويستقل روايتهم عن العرب إذا بلغ الرجل الستين فإِياه وإيّا الشواب ويحمله على الشذوذ لأن الغرض في الإِضافة التخصيص والمضمر على نهاية التخصيص فلا وجه لإضافته والأصل في نستعين: نستعوِن لأنه من المعونة والعون لكن الواو قلبت ياء لثقل الكسرة عليها فنقلت كسرتها إلى العين قبلها فتصير الياء ساكنة لأن هذا من الإعلال الذي يتبع بعضه بعضاً نحو أعان يعين وقام يقوم وفي شرحه كلام وربما يأتي مشروحاً فيما بعد إن شاء الله وقولـه نعبد ونستعين مرفوع لوقوعه موقعاً يصلح للاسم ألا ترى أنك لو قلت أنا عابدك وأنا مستعينك لقام مقامه وهذا المعنى عمل فيه الرفع وأما الإعراب في الفعل المضارع فلمضارعته الاسم لأن الأصل في الفعل البناء وإِنما يعرب منه ما شابه الأسماء وهو ما لحقت أوله زيادة من هذه الزيادات الأربع التي هي: الهمزة والنون والتاء والياء.

السابقالتالي
2 3