الرئيسية - التفاسير


* تفسير مجمع البيان في تفسير القرآن/ الطبرسي (ت 548 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

القراءة: أجمع القراء على ضمّ الدال من الحمد وكسر اللام من لله وروي قي الشواذ بكسر الدال واللام. وبفتح الدال وكسر اللام. وبضم الدال واللام. وأجمعوا على كسر الباء من رب. وروي عن زيد بن علي فتح الباء ويحمل على أنه بيَّن جوازه لا إنه قراءة. اللغة: الحمد والمدح والشكر متقاربة المعنى والفرق بين الحمد والشكر أنَّ الحمد نقيض الذم كما أنَّ المدح نقيض الهجاء. والشكر نقيض الكفران. والحمد قد يكون من غير نعمة والشكر يختص بالنعمة إِلا أن الحمد يوضع موضع الشكر ويقال: الحمد لله شكراً فينصب شكراً على المصدر ولو لم يكن الحمد في معنى الشكر لما نصبه فإِذا كان الحمد يقع موقع الشكر فالشكر هو الاعتراف بالنعمة مع ضرب التعظيم ويكون بالقلب وهو الأصل ويكون أيضا باللسان وإنما يجب باللسان لنفي تهمة الجحود والكفران وأما المدح فهو القول المنبئ عن عظم حال الممدوح مع القصد إِليه وأما الرب فله معان منها السيد المطاع كقول لبيد:
وَأَهْلَكنَ قِدْماً ربَّ كِنْدَةَ وَابْنَه   ورَبَّ مَعَدّ بَينَ خَبتِ وَعَرْعَرِ
أي سيد كِندة ومنها المالك نحو قول النبي لرجل: " أرَبّ غنم أم رَبّ أبل " فقال من كلّ ما آتاني الله فأكثر وأطيب. ومنها الصاحب نحو قول أبي ذؤيب:
قَدْ نَالهُ رَبُّ الكِلاَبِ بِكَفِّهِ   بِيْضٌ رِهابٌ رِيْشُهُنَّ مُقَزَّعُ
أي صاحب الكِلاب ومنها المرِبّب ومنها المصلح واشتقاقه من التربية يقال ربيته وربيته بمعنى وفلان يرب صنيعته إذا كان ينمّمها ولا يطلق هذا الاسم إلا على الله ويقيد في غيره فيقال رب الدار ورب الضيعة والعالمون جمع عالم والعالم جمع لا واحد له من لفظه كالنفر والجيش وغيرهما واشتقاقه من العلامة لأنه يدل على صانعه وقيل: إنه من العلم لأنه اسم يقع على ما يعلم وهو في عرف اللغة عبارة عن جماعة من العقلاء لأنهم يقولون جاءني عالم من الناس ولا يقولون جاءني عالم من البقر وفي المتعارف بين الناس هو عبارة عن جميع المخلوقات وتدل عليه الآيةوَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ } [الشعراء: 23-24] وقيل إنه اسم لكل صنف من الأصناف وأهل كل قرن من كل صنف يسمى عالماً ولذلك جمع فقيل عالمون لعالم كل زمان وهذا قول أكثر المفسرين كابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة وغيرهم وقيل العالم نوع ما يعقل وهم الملائكة والجن والإنس وقيل الجن والإنس لقولـه تعالى:لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً } [الفرقان: 1] وقيل هم الإنس لقولـه تعالى:أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَالَمِينَ } [الشعراء: 165]. الإعراب: الحمد رفع بالابتداء والابتداء عالم معنوي غير ملفوظ به وهو خلوُّ الاسم من العوامل اللفظية ليسند إليه خبر وخبره في الأصل جملة هي فعل مسند إلى ضمير المبتدأ وتقديره الحمد حقَّ أو استقر لله إِلا أنه قد استغنى عن ذكرها لدلالة قولـه لله عليها فانتقل الضمير منها إِليه حيث سدّ مسدّها وتسمى هذه جملة ظرفية هذا قول الأخفش وأبي علي الفارسي وأصل اللام للتحقيق والملك وأما فتح الدال فعلى المصدر تقديره أحمد الحمد لله أو أجعل الحمد لله إلا أن الرفع بالحمد أقوى وأمدح لأن معناه الحمد وجب لله أو استقرَّ لله وهذا يقتضي العموم لجميع الخلق وإذا نصب الحمد فكان تقديره أحمد الحمد كان مدحاً من المتكلم فقط فلذلك اختير الرفع ومن كسر الدال واللام أتْبَعَ حركة الدال حركة اللام ومن ضمهما أتْبَعَ حركة اللام حركة الدال وهذا أيسر من الأول لأنه اتبع حركة المبني حركة الإعراب والأول اتبع حركة المعرب حركة البناء واتبع الثاني الأول وهو الأصل في الإتباع والذي كسر أتبع الأول الثاني وهذا ليس بأصل وأكثر النحويين ينكرون ذلك لأن حركة الإعراب غير لازمة فلا يجوز لأجلها الاتباع ولأنّ الاتباع في الكلمة الواحدة ضعيف نحو الحُلم فكيف في الكلمتين.

السابقالتالي
2 3