قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } [المائدة: 41] - إلى قوله تعالى - { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [المائدة: 42] - علي بن إبراهيم، قال: فإنه كان سبب نزولها أنه كان بالمدينة بطنان من اليهود من بني هارون، و هم بنو النضير و قريظة، و كانت قريضة سبع مائة، و النضير ألفا، و كانت النضير أكثر مالا و أحسن حالا من قريظة، و كانوا حلفاء لعبد الله بن أبي، فكان إذا وقع بين قريظة و النضير قتل، و كان القاتل من بني النضير، قالوا لبني قريظة: لا نرضى أن يكون قتيل منا بقتيل منكم، فجرى بينهم في ذلك مخاطبات كثيرة، حتى كادوا أن يقتتلوا، حتى رضيت قريظة، و كتبوا بينهم كتابا على أنه أي رجل من النضير قتل رجلا من بني قريظة أن يجبه و يحمم- و التجبية أن يقعد على جمل و يلوى وجهه إلى ذنب الجمل، و يلطخ وجهه بالحمأة - و يدفع نصف الدية. و أيما رجل من بني قريظة قتل رجلا من النضير أن يدفع إليه الدية كاملة، و يقتل به. فلما هاجر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إلى المدينة، و دخلت الأوس و الخزرج في الإسلام، ضعف أمر اليهود، فقتل رجل من بني قريظة رجلا من بني النضير، فبعث إليه بنو النضير: ابعثوا إلينا بدية المقتول، و بالقاتل حتى نقتله. فقالت قريظة: ليس هذا حكم التوراة، و إنما هو شيء غلبتمونا عليه، فإما الدية، و إما القتل، و إلا فهذا محمد بيننا و بينكم، فهلموا نتحاكم إليه. فمشت بنو النضير إلى عبد الله بن أبي و قالوا: سل محمدا أن لا ينقض شرطنا في هذا الحكم الذي بيننا و بين بني قريظة في القتل. فقال عبد الله بن أبي: ابعثوا معي رجال يسمع كلامي و كلامه، فإن حكم لكم بما تريدون، و إلا فلا ترضوا به. فبعثوا معه رجلا فجاء إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال له: يا رسول الله، إن هؤلاء القوم قريظة و النضير قد كتبوا بينهم كتابا و عهدا و ميثاقا فتراضوا به، و الآن في قدومك يريدون نقضه، و قد رضوا بحكمك فيهم، فلا تنقض عليهم كتابهم و شرطهم، فإن بني النضير لهم القوة و السلاح و الكراع، و نحن نخاف الغوائل و الدوائر. فاغتم لذلك رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و لم يجبه بشيء، فنزل عليه جبرئيل بهذه الآيات: { يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ } يعني اليهود.