الرئيسية - التفاسير


* تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً } * { وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

قوله تعالى:

{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ } - إلى قوله تعالى- { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } [26- 27]

8566/ [1]- علي بن إبراهيم: و نزل في بني قريظة: { وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } " فلما دخل رسول الله (صلى الله عليه و آله) المدينة، و اللواء معقود، أراد أن يغتسل من الغبار، فناداه جبرئيل: " عذيرك من محارب، و الله ما وضعت الملائكة لأمتها، فكيف تضع لأمتك؟ إن الله يأمرك أن لا تصلي العصر إلا ببني قريظة، فإني متقدمك، و مزلزل بهم حصنهم، إنا كنا في آثار القوم، نزجرهم زجرا، حتى بلغوا حمراء الأسد ".

فخرج رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فاستقبله حارثة بن النعمان، فقال له: " ما الخبر، يا حارثة؟ ". قال: بأبي أنت و امي- يا رسول الله- هذا دحية الكلبي ينادي في الناس: ألا لا يصلين العصر أحد إلا في بني قريظة. فقال: " ذلك جبرئيل، أدعوا لي عليا ". فجاء علي (عليه السلام)، فقال له: " ناد في الناس: لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ".

فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام)، فنادى فيهم، فخرج الناس، فبادروا إلى بني قريظة.

و خرج رسول الله (صلى الله عليه و آله)، و أمير المؤمنين (عليه السلام) بين يديه، مع الراية العظمى، و كان حيي بن أخطب لما انهزمت قريش، جاء و دخل حصن بني قريظة، فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام) و أحاط بحصنهم، فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن يشتمهم، و يشتم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأقبل رسول الله (صلى الله عليه و آله) على حمار، فاستقبله أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: " بأبي أنت و امي- يا رسول الله- لا تدن من الحصن ". فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): " يا علي، لعلهم شتموني؟ إنهم لو قد رأوني لأذلهم الله ". ثم دنا رسول الله (صلى الله عليه و آله) من حصنهم، فقال: " يا إخوة القردة و الخنازير، و عبدة الطاغوت، أ تشتموني؟! إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباحهم ".

فأشرف عليهم كعب بن أسد من الحصن، فقال: و الله- يا أبا القاسم- ما كنت جهولا. فاستحيا رسول الله (صلى الله عليه و آله) حتى سقط الرداء عن ظهره حياء مما قال.

و كان حول الحصن نخل كثير، فأشار إليه رسول الله (صلى الله عليه و آله) بيده، فتباعد عنه، و تفرق في المفازة، و أنزل رسول الله (صلى الله عليه و آله) العسكر حول حصنهم، فحاصرهم ثلاثة أيام، فلم يطلع منهم أحد رأسه، فلما كان بعد ثلاثة أيام نزل إليه غزال بن شمول، فقال: يا محمد، تعطينا ما أعطيت إخواننا من بني النضير؟ احقن دماءنا، و نخلي لك البلاد و ما فيها، و لا نكتمك شيئا. فقال: " لا، أو تنزلون على حكمي ". فرجع، و بقوا أياما، فبكت النساء و الصبيان إليهم، و جزعوا جزعا شديدا، فلما اشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بالرجال، فكتفوا، و كانوا سبع مائة ، و أمر بالنساء، فعزلن.

و قامت الأوس إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقالوا: يا رسول الله، حلفاؤنا و موالينا من دون الناس، نصرونا على الخزرج في المواطن كلها، و قد وهبت لعبد الله بن أبي سبع مائة دارع، و سبع مائة حاسر في صبيحة واحدة، و لسنا نحن بأقل من عبد الله بن أبي. فلما أكثروا على رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال لهم: " أما ترضون أن يكون الحكم فيهم إلى رجل منكم؟ ". فقالوا: بلى، فمن هو؟ قال: " سعد بن معاذ ". قالوا: قد رضينا بحكمه، فأتوا به في محفة ، و اجتمعت الأوس حوله يقولون له: يا أبا عمرو، اتق الله، و أحسن في حلفائك و مواليك، فقد نصرونا ببعاث، و الحدائق ، و المواطن كلها. فلما أكثروا عليه، قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم. فقالت الأوس: وا قوماه، ذهبت و الله بنو قريظة آخر الدهر. و بكت النساء و الصبيان إلى سعد، فلما سكتوا، قال لهم سعد: يا معشر اليهود، أرضيتم بحكمي فيكم؟ قالوا: بلى، قد رضينا بحكمك، و قد رجونا نصفك، و معروفك، و حسن نظرك. فأعاد عليهم القول، فقالوا: بلى، يا أبا عمرو. فالتفت إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) إجلالا له، فقال: ما ترى، بأبي أنت و امي، يا رسول الله؟ قال: " احكم فيهم- يا سعد- فقد رضيت بحكمك فيهم ". فقال: قد حكمت- يا رسول الله (صلى الله عليه و آله) أن تقتل رجالهم، و تسبى نساؤهم و ذراريهم، و تقسم غنائمهم بين المهاجرين و الأنصار. فقام رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فقال: " قد حكمت بحكم الله من فوق سبع أرقعة " ثم انفجر جرح سعد بن معاذ، فما زال ينزف حتى قضى. و ساقوا الأسارى إلى المدينة، و أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) بأخدود، فحفرت بالبقيع، فلما أمسى، أمر بإخراج رجل رجل، فكان يضرب عنقه، فقال حيي بن أخطب لكعب بن أسد: ما ترى يصنع بهم؟ فقال له: ما يسوؤك، أما ترى الداعي لا يقلع، و الذي يذهب لا يرجع؟ فعليكم بالصبر، و الثبات على دينكم.

فاخرج كعب بن أسد، مجموعة يديه إلى عنقه، و كان جميلا و سيما، فلما نظر إليه رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال له: " يا كعب، أما نفعتك وصية ابن الحواس؟! الحبر الذكي الذي قدم عليكم من الشام، فقال: تركت الخمر و الخنزير ، و جئت إلى البؤس و التمور، لنبي يبعث، مخرجه بمكة، و مهاجرته في هذه البحيرة، يجتزئ بالكسيرات و التميرات، و يركب الحمار العري، في عينيه حمرة، بين كتفيه خاتم النبوة، يضع سيفه على عاتقه، لا يبالي من لاقى منكم، يبلغ سلطانه منقطع الخف و الحافر ". فقال: قد كان ذلك يا محمد، و لولا أن اليهود يعيروني أني جزعت عند القتل لآمنت بك، و صدقتك، و لكني على دين اليهودية، عليه أحيا، و عليه أموت. فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): " قدموه فاضربوا عنقه " فضربت عنقه.

ثم قدم حيي بن أخطب، فقال له رسول الله (صلى الله عليه و آله): " يا فاسق، كيف رأيت صنع الله بك؟ " فقال: و الله- يا محمد- ما ألوم نفسي في عداوتك، و لقد قلقلت كل مقلقل، و جهدت كل الجهد، و لكن من يخذل الله يخذل، ثم قال حين قدم للقتل:

* لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه * و لكنه من يخذل الله يخذل *

فقدم، و ضرب عنقه فقتلهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) في البردين: بالغداة، و العشي، في ثلاثة أيام، و كان يقول: " اسقوهم العذب، و أطعموهم الطيب، و أحسنوا إسارهم ". حتى قتلهم كلهم، و أنزل الله على رسوله فيهم:

{ وَأَنزَلَ ٱلَّذِينَ ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلرُّعْبَ } إلى قوله: { وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً } ".


السابقالتالي
2