الرئيسية - التفاسير


* تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } * { فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ٱلْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـٰذَا مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ }

517/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): " قال الله عز و جل: يا محمد، و من هؤلاء اليهود { أُمِّيُّونَ } لا يقرءون الكتاب و لا يكتبون، فالأمي منسوب إلى أمه، أي هو كما خرج من بطن أمه لا يقرأ و لا يكتب { لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ } المنزل من السماء و لا المكذب به، و لا يميزون بينهما { إِلاَّ أَمَانِيَّ } أي إلا أن يقرأ عليهم، و يقال لهم:

إن هذا كتاب الله و كلامه، و لا يعرفون إن قرئ من الكتاب خلاف ما فيه { وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ } أي ما يقول لهم رؤساؤهم من تكذيب محمد في نبوته، و إمامة علي سيد عترته، و هم يقلدونهم مع أنه محرم عليهم تقليدهم ".

قال: " فقال رجل للصادق (عليه السلام): فإذا كان هؤلاء القوم لا يعرفون الكتاب إلا بما يسمعونه من علمائهم لا سبيل لهم إلى غيره، فكيف ذمهم بتقليدهم و القبول من علمائهم؟ و هل عوام اليهود إلا كعوامنا يقلدون علماءهم، فإن لم يجز لأولئك القبول من علمائهم، لم يجز لعوامنا القبول من علمائهم؟

فقال (عليه السلام): بين عوامنا و علمائنا و بين عوام اليهود و علمائهم فرق من جهة، و تسوية من جهة، أما من حيث إنهم استووا، فإن الله قد ذم عوامنا بتقليدهم علماءهم، كما قد ذم عوامهم، و أما من حيث أنهم افترقوا فلا. قال: بين لي ذلك، يا ابن رسول الله.

قال (عليه السلام): إن عوام اليهود كانوا قد عرفوا علماءهم بالكذب الصراح، و بأكل الحرام و الرشا، و بتغيير الأحكام عن واجبها بالشفاعات و العنايات و المصانعات، و عرفوهم بالتعصب الشديد الذي يفارقون به أديانهم، و أنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا عليه، و أعطوا ما لا يستحقه من تعصبوا له من أموال غيرهم، و ظلموهم من أجلهم، و عرفوهم بأنهم يقارفون المحرمات، و اضطروا بمعارف قلوبهم إلى أن من فعل ما يفعلونه فهو فاسق، لا يجوز أن يصدق على الله تعالى، و لا على الوسائط بين الخلق و بين الله، فلذلك ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا، و من قد علموا أنه لا يجوز قبول خبره، و لا تصديقه في حكايته، و لا العمل بما يؤديه إليهم عمن لم يشاهدوه، و وجب عليهم النظر بأنفسهم في أمر رسول الله (صلى الله عليه و آله) إذ كانت دلائله أوضح من أن تخفى، و أشهر من أن لا تظهر لهم.

و كذلك عوام أمتنا، إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر، و العصبية الشديدة، و التكالب على حطام الدنيا و حرامها، و إهلاك من يتعصبون عليه، و إن كان لإصلاح أمره مستحقا، و بالترفرف بالبر و الإحسان على من تعصبوا له، و إن كان للإذلال و الإهانة مستحقا، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل اليهود الذين ذمهم الله تعالى بالتقليد لفسقة فقهائهم.

السابقالتالي
2 3