الرئيسية - التفاسير


* تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } * { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوۤاْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }

414/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): " فلما بهر رسول الله (صلى الله عليه و آله)، هؤلاء اليهود بمعجزته، و قطع معاذيرهم بواضح دلالته، لم يمكنهم مراجعته في حجته، و لا إدخال التلبيس عليه في معجزته، قالوا: يا محمد، قد آمنا بأنك الرسول الهادي المهدي، و أن عليا أخاك هو الوصي و الولي.

و كانوا إذا خلوا باليهود الآخرين يقولون لهم: إن إظهارنا له الإيمان به أمكن لنا على دفع مكروهه، و أعون لنا على اصطلامه و اصطلام أصحابه، لأنهم عند اعتقادهم أننا معهم يقفوننا على أسرارهم، و لا يكتموننا شيئا، فنطلع عليهم أعداءهم، فيقصدون أذاهم بمعاونتنا و مظاهرتنا، في أوقات اشتغالهم و اضطرابهم، و في أحوال تعذر المدافعة و الامتناع من الأعداء عليهم.

و كانوا مع ذلك ينكرون على سائر اليهود إخبار الناس عما كانوا يشاهدونه من آياته، و يعاينونه من معجزاته، فأظهر الله تعالى محمدا رسوله (صلى الله عليه و آله) على سوء اعتقادهم، و قبح دخائلهم، و على إنكارهم على من اعترف بما شاهده من آيات محمد (صلى الله عليه و آله) و واضح بيناته، و باهر معجزاته.

فقال عز و جل: يا محمد أَ فَتَطْمَعُونَ أنت و أصحابك من علي و آله الطيبين { أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ } هؤلاء اليهود الذي هم بحجج الله قد بهرتموهم، و بآيات الله و دلائله الواضحة قد قهرتموهم أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ و يصدقوكم بقلوبهم، و يبدوا في الخلوات لشياطينهم شريف أحوالكم.

{ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ } يعني من هؤلاء اليهود من بني إسرائيل { يَسْمَعُونَ كَلاَمَ ٱللَّهِ } في أصل جبل طور سيناء، و أوامره و نواهيه { ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } عما سمعوه، إذا أدوه إلى من ورائهم من سائر بني إسرائيل { مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ } و علموا أنهم فيما يقولونه كاذبون { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أنهم في قيلهم كاذبون.

و ذلك أنهم لما صاروا مع موسى إلى الجبل، فسمعوا كلام الله، و وقفوا على أوامره و نواهيه، رجعوا فأدوه إلى من بعدهم فشق عليهم فأما المؤمنون منهم فثبتوا على إيمانهم، و صدقوا في نياتهم، و أما أسلاف هؤلاء اليهود الذين نافقوا رسول الله (صلى الله عليه و آله) في هذه القصة، فإنهم قالوا لبني إسرائيل: إن الله تعالى قال لنا هذا، و أمرنا بما ذكرناه لكم و نهانا، و أتبع ذلك بأنكم إن صعب عليكم ما أمرتكم به فلا عليكم أن لا تفعلوه، و إن صعب عليكم ما عنه نهيتكم فلا عليكم أن ترتكبوه و تواقعوه، و هم يعلمون أنهم بقولهم هذا كاذبون.

ثم أظهر الله على نفاقهم الآخر مع جهلهم، فقال الله عز و جل: { وَإِذَا لَقُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَالُوۤاْ آمَنَّا } كانوا إذا لقوا سلمان و المقداد و أبا ذرّ و عمارا، قالوا: آمنا كإيمانكم، آمنا بنبوة محمد (صلى الله عليه و آله) مقرونة بالإيمان بإمامة أخيه علي بن أبي طالب، و بأنه أخوه الهادي، و وزيره الموالي، و خليفته على أمته، و منجز عدته، و الوافي بذمته، و الناهض بأعباء سياسته، و قيم الخلق، الذائد لهم عن سخط الرحمن، الموجب لهم- إن أطاعوه- رضا الرحمن، و أن خلفاءه من بعده هم النجوم الزاهرة، و الأقمار المنيرة، و الشمس المضيئة الباهرة، و أن أولياءهم أولياء الله، و أن أعداءهم أعداء الله.

السابقالتالي
2 3 4 5