الرئيسية - التفاسير


* تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

513/ [1]- قال الإمام العسكري (عليه السلام): " قال الله تعالى: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ } عست و جفت و يبست من الخير و الرحمة قلوبكم، معاشر اليهود { مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ } من بعد ما بينت من الآيات الباهرات في زمان موسى (عليه السلام)، و من الآيات المعجزات التي شاهدتموها من محمد (صلى الله عليه و آله).

{ فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ } اليابسة لا ترشح برطوبة، و لا ينتفض منها ما ينتفع به، أي أنكم لا حق لله تردون، و لا من أموالكم، و لا من حواشيها تتصدقون، و لا بالمعروف تتكرمون و تجودون، و لا الضيف تقرون و لا مكروبا تغيثون، و لا بشيء من الإنسانية تعاشرون، و تعاملون.

{ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } إنما هي في قساوة الأحجار، أو أشد قسوة، أبهم على السامعين، و لم يبين لهم، كما قال القائل: أكلت خبزا أو لحما، و هو لا يريد به: أني لا أدري ما أكلت، بل يريد أن يبهم على السامع حتى لا يعلم ما أكل، و إن كان يعلم أنه قد أكل.

و ليس معناه بل أشد قسوة، لأن هذا استدراك غلط، و هو عز و جل يرتفع عن أن يغلط في خبر، ثم يستدرك على نفسه الغلط، لأنه العالم بما كان و ما يكون و ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، و إنما يستدرك الغلط على نفسه المخلوق المنقوص.

و لا يريد به أيضا فهي كالحجارة أو أشد، أي و أشد قسوة، لأن هذا تكذيب الأول بالثاني، لأنه قال: { فَهِيَ كَٱلْحِجَارَةِ } في الشدة لا أشد منها و لا ألين، فإذا قال بعد ذلك: أَوْ أَشَدُّ فقد رجع عن قوله الأول: إنها ليست بأشد.

و هو مثل أن يقول: لا يجيء من قلوبكم خير، لا قليل و لا كثير، فأبهم عز و جل في الأول حيث قال: { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } و بين في الثاني أن قلوبهم أشد قسوة من الحجارة، لا بقوله: { أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً } و لكن بقوله: { وَإِنَّ مِنَ ٱلْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ ٱلأَنْهَارُ } أي فهي في القساوة بحيث لا يجيء منها الخير، يا يهود، و في الحجارة لما يتفجر منه الأنهار، فيجيء بالخير و الغياث لبني آدم. { وَإِنَّ مِنْهَا } من الحجارة { لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ ٱلْمَآءُ } و هو ما يقطر منه الماء، فهو خير منها، دون الأنهار التي تتفجر من بعضها، و قلوبهم لا يتفجر منها الخيرات، و لا تشقق فيخرج منها قليل من الخيرات، و إن لم يكن كثيرا.

ثم قال الله عز و جل: { وَإِنَّ مِنْهَا } يعني من الحجارة { لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ } إذا أقسم عليها باسم الله و بأسماء أوليائه محمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين و الطيبين من آلهم (صلى الله عليهم)، و ليس في قلوبكم شيء من هذه الخيرات { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } بل عالم به، يجازيكم عنه بما هو به عادل عليكم، و ليس بظالم لكم، يشدد حسابكم، و يؤلم عقابكم.

السابقالتالي
2 3 4 5