الرئيسية - التفاسير


* تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }

399/ [1]- قال الإمام أبو محمد العسكري (عليه السلام): " إن الله عز و جل لما لعن إبليس بإبائه، و أكرم الملائكة بسجودها لآدم، و طاعتهم لله عز و جل، أمر بآدم و حواء إلى الجنة، و قال: { يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } شجرة العلم، شجرة علم محمد (صلى الله عليه و آله) و آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) الذين آثرهم الله عز و جل بها دون خلقه.

فقال تعالى: { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } شجرة العلم، فإنها لمحمد و آله خاصة دون غيرهم، و لا يتناول منها بأمر الله إلا هم، و منها ما كان يتناوله النبي (صلى الله عليه و آله) و علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهم السلام) بعد إطعامهم اليتيم و المسكين و الأسير، حتى لم يحسوا بعد بجوع و لا عطش و لا تعب و لا نصب.

و هي شجرة تميزت بين أشجار الجنة إن سائر أشجار الجنة كان كل نوع منها يحمل نوعا من الثمار و المأكول، و كانت هذه الشجرة و جنسها تحمل البر و العنب و التين و العناب و سائر أنواع الثمار و الفواكه و الأطعمة، فلذلك اختلف الحاكون لذكر الشجرة، فقال بعضهم: هي برة، و قال آخرون: هي عنبة، و قال آخرون:

هي تينة، و قال آخرون: هي عنابة.

قال الله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } تلتمسان بذلك درجة محمد و آل محمد و فضلهم، فإن الله تعالى خصهم بهذه الدرجة دون غيرهم، و هي الشجرة التي من تناول منها بإذن الله ألهم علم الأولين و الآخرين من غير تعلم، و من تناول منها بغير إذن خاب من مراده و عصى ربه. فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ بمعصيتكما و التماسكما درجة قد أوثر بها غيركما- كما أردتما- بغير حكم الله تعالى.

قال الله تعالى: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها عن الجنة، بوسوسته و خديعته و إيهامه و غروره، بأن بدأ بآدم فقال:مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } [الأعراف: 20] إن تناولتما منها تعلمان الغيب، و تقدران على ما يقدر عليه من خصه الله تعالى بالقدرةأَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [الأعراف: 20] لا تموتان أبدا.وَقَاسَمَهُمَآ } [الأعراف: 21] حلف لهما { إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } [الأعراف: 21] و كان إبليس بين لحيي الحية أدخلته الجنة، و كان آدم يظن أن الحية هي التي تخاطبه، و لم يعلم أن إبليس قد اختفي بين لحييها.

فرد آدم على الحية: أيتها الحية، هذا من غرور إبليس لعنه الله، كيف يخوننا ربنا؟ أم كيف تعظمين الله بالقسم به و أنت تنسبينه إلى الخيانة و سوء النظر و هو أكرم الأكرمين، أم كيف أروم التوصل إلى ما منعني منه ربي عز و جل، و أتعاطاه بغير حكمه؟! فلما يئس إبليس من قبول أمره منه، عاد ثانية بين لحيي الحية فخاطب حواء من حيث يوهمها أن الحية هي التي تخاطبها، و قال: يا حواء، أ رأيت هذه الشجرة التي كان الله عز و جل حرمها عليكما، قد أحلها لكما بعد تحريمها لما عرف من حسن طاعتكما، و توقير كما إياه؟ و ذلك أن الملائكة الموكلين بالشجرة- التي معها الحراب، يدفعون عنها سائر حيوان الجنة- لا تدفعك عنها، إن رمتها، فاعلمي بذلك أنه قد أحل لك، و أبشري بأنك إن تناولتها قبل آدم كنت أنت المسلطة عليه، الآمرة الناهية فوقه.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد