الرئيسية - التفاسير


* تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } * { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ كُلَّمَا أَضَآءَ لَهُمْ مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَٰرِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

349/ [1]- قال العالم (عليه السلام): " ثم ضرب الله عز و جل مثلا آخر للمنافقين، فقال: مثل ما خوطبوا به من هذا القرآن الذي أنزل عليك- يا محمد- مشتملا على بيان توحيدي، و إيضاح حجة نبوتك، و الدليل الباهر على استحقاق أخيك [علي بن أبي طالب] للموقف الذي أوقفته، و المحل الذي أحللته، و الرتبة التي رفعته إليها، و السياسة التي قلدته إياها، فهي { كَصَيِّبٍ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ }.

قال: يا محمد، كما أن في هذا المطر هذه الأشياء، و من ابتلي به خاف، فكذلك هؤلاء في ردهم لبيعة علي، و خوفهم أن تعثر أنت- يا محمد- على نفاقهم كمثل من هو في هذا المطر و الرعد و البرق، يخاف أن يخلع الرعد فؤاده، أو ينزل البرق بالصاعقة عليه، و كذلك هؤلاء يخافون أن تعثر على كفرهم، فتوجب قتلهم و استئصالهم.

{ يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } [كما يجعل هؤلاء المبتلون بهذا الرعد و البرق أصابعهم في آذانهم لئلا يخلع صوت الرعد أفئدتهم، فكذلك يجعلون أصابعهم في آذانهم] إذا سمعوا لعنك لمن نكث البيعة و وعيدك لهم إذا علمت أحوالهم { يَجْعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِم مِّنَ ٱلصَّوَٰعِقِ حَذَرَ ٱلْمَوْتِ } لئلا يسمعوا لعنك و وعيدك فتغير ألوانهم، فيستدل أصحابك أنهم المعنيون باللعن و الوعيد، لما قد ظهر من التغيير و الاضطراب عليهم، فتقوى التهمة عليهم، فلا يأمنون هلاكهم بذلك على يدك و في حكمك.

ثم قال: { وٱللَّهُ مُحِيطٌ بِٱلْكَٰفِرِينَ } مقتدر عليهم، لو شاء أظهر لك نفاق منافقيهم، و أبدى لك أسرارهم، و أمرك بقتلهم.

ثم قال: { يَكَادُ ٱلْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَٰرَهُمْ } و هذا مثل قوم ابتلوا ببرق فلم يغضوا عنه أبصارهم، و لم يستروا منه وجوههم لتسلم عيونهم من تلألئه، و لم ينظروا إلى الطريق الذي يريدون أن يتخلصوا فيه بضوء البرق، و لكنهم نظروا إلى نفس البرق فكاد يخطف أبصارهم.

فكذلك هؤلاء المنافقون، يكاد ما في القرآن من الآيات المحكمة، الدالة على نبوتك، الموضحة عن صدقك، في نصب أخيك علي إماما، و يكاد ما يشاهدونه منك- يا محمد- و من أخيك علي من المعجزات، الدالات على أن أمرك و أمره هو الحق الذي لا ريب فيه، ثم هم- مع ذلك- لا ينظرون في دلائل ما يشاهدون من آيات القرآن، و آياتك و آيات أخيك علي بن أبي طالب (عليه السلام)، يكاد ذهابهم عن الحق في حججك يبطل عليهم سائر ما قد عملوه من الأشياء التي يعرفونها، لأن من جحد حقا واحدا، أداه ذلك الجحود إلى أن يجحد كل حق، فصار جاحده في بطلان سائر الحقوق عليه، كالناظر إلى جرم الشمس في ذهاب نور بصره.

السابقالتالي
2