الرئيسية - التفاسير


* تفسير البرهان في تفسير القرآن/ هاشم الحسيني البحراني (ت 1107هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّآ أَضَآءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } * { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }

344/ [1]- قال موسى بن جعفر (عليه السلام): " مثل هؤلاء المنافقين { كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } أبصر بها ما حوله، فلما أبصر ذهب الله بنورها بريح أرسلها فأطفأها، أو بمطر.

كذلك مثل هؤلاء المنافقين، لما أخذ الله تعالى عليهم من البيعة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) أعطوا ظاهرا شهادة: أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، و أن محمدا عبده و رسوله، و أن عليا وليه و وصيه و وارثه و خليفته في أمته، و قاضي دينه، و منجز عداته، و القائم بسياسة عباد الله مقامه، فورث موارث المسلمين بها، و نكح في المسلمين بها، فوالوه من أجلها، و أحسنوا عنه الدفاع بسببها، و اتخذوه أخا يصونونه مما يصونون عنه أنفسهم، بسماعهم منه لها.

فلما جاءه الموت وقع في حكم رب العالمين، العالم بالأسرار، الذي لا تخفي عليه خافية، فأخذهم العذاب بباطن كفرهم، فذلك حين ذهب نورهم، و صاروا في ظلمات عذاب الله، ظلمات أحكام الآخرة، لا يرون منها خروجا، و لا يجدون عنها محيصا.

ثم قال: { صُمٌّ } يعني يصمون في الآخرة في عذابها { بُكْمٌ } يبكمون هناك بين أطباق نيرانها { عُمْيٌ } يعمون هناك، و ذلك نظير قوله عز و جل:وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } [طه: 124] و قوله:وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً } [الاسراء: 97]

345/ [2]- قال العالم (عليه السلام)، عن أبيه، عن جده، عن رسول الله (صلى الله عليه و آله)، قال: " ما من عبد و لا أمة أعطى بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) في الظاهر، و نكثها في الباطن، و أقام على نفاقه إلا و إذا جاء ملك الموت يقبض روحه تمثل له إبليس و أعوانه، و تمثلت النيران و أصناف عقابها لعينه و قلبه و مقاعده من مضائقها، و تمثل له أيضا الجنان و منازله فيها لو كان بقي على إيمانه، و وفي ببيعته.

فيقول له ملك الموت: انظر فتلك الجنان التي لا يقدر قدر سرائها و بهجتها و سرورها إلا رب العالمين كانت معدة لك، فلو كنت بقيت على ولايتك لأخي محمد (صلى الله عليه و آله) كان إليها مصيرك يوم فصل القضاء، فإذا نكثت و خالفت فتلك النيران و أصناف عذابها و زبانيتها بمرزباتها و أفاعيها الفاغرة أفواهها، و عقاربها الناصبة أذنابها، و سباعها الشائلة مخالبها، و سائر أصناف عذابها هو لك، و إليها مصيرك، فعند ذلك يقول: { يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً } [الفرقان: 27] فقبلت ما أمرني و التزمت من موالاة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ما ألزمني ".


السابقالتالي
2