الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } * { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } * { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } * { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } * { فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } * { فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ } * { وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَبْ }

يا منشرح الصدر على القدر رافع الذكر فما أنقاضك، { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [الشرح: 1] بنور جمالنا المودع في ظلمة قالبك، { وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ } [الشرح: 2] { ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } [الشرح: 3] وهو من الخواص القالبية والنفسية التي أنقض وأثقل ظهر ظاهر اللطيفة الخفية بنفوذ نور الذكر في وجود الذكر، كما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر المفردين الذين اهتزوا بالذكر: " حتى وضع الذكر عنهم أوزارهم " ، { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [الشرح: 4] باقتران ذاكريتك بمذكوريتنا وإيصال حقيقة مذكوريتك إلى حقيقة ذاكريتنا، وإظهار نور عزك بنور عزتنا، كما يقول تعالى:وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [المنافقون: 8]، في هذه الآية صرح بأن المؤمنين كانوا عزيزين بنور عزة اللطيفة الخفية النبوية المحمدية، كما أن الرسول عزيز بنور عزة الله الحق المبين، فاجتهد في طلب عزتك التي أودعها الله فيك.

{ فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح: 5]؛ أي: مع العسر المجاهدة والمذلة في الدنيا الفانية يسر المجاهدة والعزة في العقبى الباقية، { إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْراً } [الشرح: 6]؛ أي: مع عسر النكرة وتحمل مرارة مشاقها يسر المعرفة والاسترواح بمجاهدة حلاوة مذاقها.

{ فَإِذَا فَرَغْتَ } [الشرح: 7] عن المجاهدة في عالم الكسب { فَٱنصَبْ } [الشرح: 7] للمشاهدة في عالم الوهب، ونصب المشاهدة رعاية الأدب المختصة بخواص حضرة السلطان، { وَإِلَىٰ رَبِّكَ } [الشرح: 8] وقت المشاهدة والوهب { فَٱرْغَبْ } [الشرح: 8]؛ يعني: كن على الهمة ولا تلتفت إلى غير الرب، ولا تطلب من الرب إلا الرب، فإذا وجدته وجدت الكل، ولا يفوت عنك شيء، كما قيل في المثل: كل صيد في جوف الفرا.

وجاء في الحكايات المنقولة عن بعض المشايخ أن أحداً منهم جذب وعرج به إلى الحضرة وأوقف بين يدي الحق، فقال له الحق: إن كل الطالبين طلبوا مني شيئاً إلا أبا يزيد فإنه طلبني، ويكون مثل هذا الخطاب من رب الأرباب على سبيل التنبيه للسالك لانبعاث داعية همته العالية في طلبه لطفاً به منه، تأدباً إياه وتعليماً له، اللهم أرفع همتنا وأدبنا بأحسن تأديب بحق محمد صلى الله عليه وسلم.