الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ }

ثم أخبر عن نفاق الأعراب ووفاق بعضهم بقوله تعالى: { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } [التوبة: 97] إلى قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 99] الإشارة فيه إلى أن في عالم الإنسان بدواً وهو نفسه، وحضراً هو قلبه، كما أن في العالم بدواً وحضراً.

وقوله تعالى: { ٱلأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً } يشير إلى النفس وهواها، فإن الكفر بها ذاتية كما أن الإيمان للقلب ذاتي من فطرة الله التي فطر الناس عليها، فيحتمل أن يصير القلب كافراً بسراية صفاته إليه فيتلون بلون النفس، كما يحتمل أن تصير النفس مؤمنة بسراية صفة القلب إليها فتتلون بلون القلب، ولكن النفس تكون أشد كفراً ونفاقاً من القلب وإن كان كافراً، كما أن القلب يكون أشد إيماناً من النفس وإن كانت مؤمنة، { وَأَجْدَرُ } [التوبة: 97] يعني: النفس صفاتها أولى من القلب.

{ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ } [التوبة: 97] من الواردات النازلة على الروح، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 97] في أن يجعل بعض النفس الكافرة مؤمنة، وبعض القلب المؤمن كافراً، { وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً } [التوبة: 98] أي: من النفوس من يعتقد أن ما ينفق من الجد والاجتهاد في طلب الكمال.

{ مَغْرَماً } أي: لا حاصل أو سعيه صلاح وهذه خصائص النفس الأمارة بالسوء، فإن أنفق أن تكون مقهورة تحت سطوات الشريعة والطريقة فيصدر منها اختياراً واضطراراً بذل جهد وسعي في طلب الكمال على خلاف طبعها؛ لتتحسر على ذلك وتحتال في إبطائها والخلاص منها طلباً للاستراحة وتتبع شهواتها ولذاتها، { وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ } [التوبة: 98] أي: ينتظر آفة تفتح للقلب، ويترصد فترة مانعة للقلب على الاشتغال بطلب الكمال، { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ } [التوبة: 98] أي: على النفوس يدور البلاء من استيلاء القلب عليها وقهرها بما يخالف هواها وطبعها، { وَٱللَّهُ سَمِيعٌ } [التوبة: 98] سمع في الأزل، وأجاب هذا الدعاء في حقها وألزمها مطاوعة الشرع ومخالفة الهوى، { عَلِيمٌ } [التوبة: 98] بمن يسمع في حقه الدعاء.

{ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ } [التوبة: 99] أي: ومن النفوس، { مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ } [التوبة: 99] أي: من يؤمن بنور الله بعد أن تجلى الله سبحانه على قلبه فتنور وأشرقت أرض النفس بنور ربها، فتؤمن بالله بنوره وترى الدرجات الأخروية بهذا النور فتؤمن بها، { وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ } [التوبة: 99] من الجد والاجتهاد في طلب الكمال، { قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ } [التوبة: 99] على قضية: " من تقرب إلي شبراً تقربت منه ذراعاً ".

{ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ } [التوبة: 99] أي: موجب بعمليات الروح، فإن السالك مهما يسلك في مهامه النفس وأودية القلوب كل خطوة يخطوها كما تقربه إلى الله يتقرب الله إليه بأصناف ألطافه بقربة تقربه إلى الروح، ويتقرب الروح إليه بتجليات صفاته وتصرفات أوصافهم، { سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ } [التوبة: 99] بجذبات ألطافه يأخذهم منهم ويهديهم برحمته إليه، { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ } [التوبة: 99] أي: ستار بصفته ومغفرته للصادق السالك الطالب العاشق، { رَّحِيمٌ } [التوبة: 99] بطالبيه؛ إذ لا يصلون إليه إلا بجذبات رحمته.

السابقالتالي
2 3