الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

ثم أخبر عن اعتزاز المنافقين واعتذارهم بقوله تعالى: { يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ } [التوبة: 94] إلى قوله: { ٱلْفَاسِقِينَ } [التوبة: 96]، { إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ } [التوبة: 94] يشير إلى حال أهل الخذلان القاعدين عن طلب الكمال لو رجعتم إليهم وقلتم: لم تقعدون عن الطلب وتبطلون استعداد الكمال في طلب الشهوات واللذات الدنيوية والفانية؟ يعتذرون إليكم بالأكاذيب والأباطيل، { قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ } [التوبة: 94] بالأكاذيب، { لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ } [التوبة: 94] لن نصدقكم في ذلك، { قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ } [التوبة: 94] بالفراسة الصادقة، كما قال صلى الله عليه وسلم: " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ".

{ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ } [التوبة: 94] فإن الأعمال من نتائج الأحوال، { ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ } [التوبة: 94] إلى من لا يخفى عليه خافية من الأعمال الظاهرة والأحوال الباطنة، { فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [التوبة: 94] بجزاء أعمالكم إن كانت حسنة فبالحسنات، وإن كانت سيئة فبالسيئات.

قوله تعالى: { سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ } [التوبة: 95] يشير إلى منافقي أهل الطلب الذين يظهرون زي هذه الطائفة، ويعدون أنفسهم من جملتهم، ولا يسلكون مسلكهم ولا يتصفون بصفاتهم، فإذا انقلبتم إليهم أيها النصحاء بالنصيحة لئلا يقنعوا بالتشبه بهذه الطائفة؛ ليحلفون بالله كذباً ونفاقاً في إظهار الأعذار، { لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ } [التوبة: 95] أي: لتتركوا نصيحتهم ولومهم، { فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ } [التوبة: 95] أي: دعوهم ونفاقهم إذا تحققتم أنهم غير قابلي النصيحة والصلاح، { إِنَّهُمْ رِجْسٌ } [التوبة: 95] جبلوا على طينة خبيثة غير طيبة، { وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ } [التوبة: 95] أي: مرجعهم إلى نيران البعد والحسرة.

{ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [التوبة: 95] يعني: طينتهم وإن كانت خبيثة في أصل الخلقة ما كانت مستحقة لكمال البعد فيما كسبوا بجناية تلك الطينة الذميمة صاروا مستحقين لكمال العبد لهذه النيران، { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } [التوبة: 96] أي: يطلبون رضاكم بسخط الله بحلفهم بالله كذباً، { فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ } [التوبة: 96] بأن لم تعلموا كذبهم ونفاقهم، { فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } [التوبة: 96] الخارجين عن الطاعة إلا بعد الرجوع إلى الطاعة.