الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } * { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ } * { إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ } [التوبة: 87] من أرباب الشهوات والعلاقات، { وَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } [التوبة: 87] بطابع حب الدنيا وزينتها واتباع شهواتها، { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } [التوبة: 87] فإن بالطبع يزول فقه القلب حتى لا يكون له شعور على الطبع، { فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } أي: لا يشعرون أنهم محجوبون عن الله بحجاب الدنيا.

{ لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } [التوبة: 88] يشير إلى أن من أمارات أهل الصدق وأرباب الطلب الجد والاجتهاد في طلب الحق ببذل الأموال والأنفس، فإنهم شاهدوا بنور الصدق وشواهد الحق، فاستقلوا الفانيات واستكثروا الباقيات وتحقق لهم أن ما عندهم من الأموال والأنفس ينفد وما عند الله باق؛ فآثروا ما يبقى على ما يفنى.

{ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ } [التوبة: 88] وهي على نوعين: خيرات تتعلق بالعبد وأعماله وهي الحسنات أخرى مع أنهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، وخيرات تتعلق بمواهب الحق؛ يعني: لمساعي العبودية نالوا خيرات الربوبية.

{ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ } [التوبة: 88] الذين ظفروا بنفوسهم؛ إذ بذلوها في سبيل الله وتخلصوا عن حجب صفاتها، { أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [التوبة: 89] أي: هم الذين أعد الله لهم في الأزل بساتين المعاني وتجري من تحتها أنهار الحكم، { خَالِدِينَ فِيهَا } [التوبة: 89] ينتفعون بها إلى الأبد من غير انقطاع أو فترة، { ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [التوبة: 89] أي: ذلك الفلاح والخلاص عن حجب النفس وصفاتها هو الفوز العظيم؛ لأن عظم الفوز على قدر عظم الحجب، ولا حجاب أعظم من حجاب النفس والفوز عنها يكون فوزاً عظيماً، واللهُ أعلم.

قوله تعالى: { وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ } [التوبة: 90] إلى قوله: { فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } [التوبة: 93] يشير إلى أن الخلق ثلاث طبقات:

الأولى المعذرون، وهم المقصرون المعترفون بتقصيرهم وذنوبهم المعذرون عن تقصيرهم التائبون عن ذنوبهم المتداركون بالرحمة والمغفرة.

والثانية: القاعدون، وهم الكاذبون الكذابون الذين لم يؤمنوا بالله ورسوله من الكافرين والمنافقين المتداركون بالخذلان والعذاب الأليم، كما قال تعالى: { وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [التوبة: 90].

والثالثة: المؤمنون الصادقون الناصحون المخلصون ولكن فيهم الضعفاء والمرضى والعجزة والفقراء وهم أهل العذر، فلا حرج عليهم في القعود عن طلب الكمالات بالظواهر عند العجز مع استعمال البواطن في القلب بقدر الاستعداد كما قال تعالى: { لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ } [التوبة: 91] يعني: إذا أحسنوا في طلب الله اتباع رسوله بقدر قدرتهم وتمكينهم، ولذلك قال تعالى: { مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } [التوبة: 91] إلى الخذلان.

{ وَٱللَّهُ غَفُورٌ } [التوبة: 91] أي: يجبر تقصيرهم عند العذر بالمغفرة، { رَّحِيمٌ } [التوبة: 91] بأن يرحمهم ويعطيهم من فضله ما أعطى أهل الجد والاجتهاد عند القدرة، { وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ } [التوبة: 92] أي: بطريق المتابعة بقدر الاستعداد، { لِتَحْمِلَهُمْ } [التوبة: 92] على جناح الهمة النبوية وتوصلهم إلى مقامات ودرجات لم يكونوا بالغيها بجناحي البشرية والروحانية، { قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ } [التوبة: 92] عزة وترفعاً واستغناء ودلالاً كما قال تعالى لموسى عليه السلام عند سؤاله بقوله:

السابقالتالي
2