الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

ثم أخبر عن أحوال المؤمنين والمؤمنات وأوصافهم بقوله تعالى: { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [التوبة: 71] الآيتين: { وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ }؛ لأن ائتلافهم من نتائج تعارف الأرواح قبل تعلقها بالأشباح للمناسبة الفطرية؛ إذ الأرواح لما كانت مجندة فما كان منها في صف واحد كانت بينهم مناسبة الجنسية صاروا نفساً واحدة بمد بعضهم بعضاً، وكانوا كالبنيان يشد بعضه بعضاً فلهذا يأمرون بالمعروف أي: ينصح بعضهم بعضاً في طلب الله وهو المعروف الحقيقي، كما قال: " فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف " ؛ والمعنى: { يَأْمُرُونَ } [التوبة: 71] بطلب، { بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ } [التوبة: 71] وهو ما يقطع العبد عن الله تعالى من الدنيا وغيرها.

{ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ } [التوبة: 71] يشير إلى مراقبة القلب وحضوره مع الله تعالى، { وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [التوبة: 71] يشير إلى إنفاق ما فضل عن كفافهم الضروري، { وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [التوبة: 71] يشير إلى الإخلاص في معاملاتهم، فإن المنافقين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة؛ ولكن لا يطيعون الله ورسوله في ذلك، إنما يطيعون النفس والهوى لمصالح دنياهم، { أُوْلَـٰئِكَ } [التوبة: 71] هم يعني: المخلصين، { سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ } [التوبة: 71] بنظره إليهم بنظر الرحمة، ويخرجهم من ظلمات النفسانية إلى أنوار الصفات الروحانية الربانية.

{ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } [التوبة: 71] أي: منيع لا يصل إليه لعزته إلا المخلصون في عبوديته، { حَكِيمٌ } [التوبة: 71] يختار بحكمته من يشاء من عباده لمعرفته وقربته.

ثم قال تعالى: { وَعَدَ ٱللَّهُ } [التوبة: 72] يعني: أهل المقامات والكرامات الذين هم من { ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ } [التوبة: 72] والموصوفين بما ذكره، { جَنَّاتٍ } [التوبة: 72] مقامات رفيعة.

{ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } [التوبة: 72] أي: الأسرار والحكم، { خَالِدِينَ فِيهَا } [التوبة: 72] أي: مقيمين في تلك الأحوال متمكنين لا متلونين، { وَمَسَاكِنَ } [التوبة: 72] أي: مقامات، { طَيِّبَةً } [التوبة: 72] على قدر مراتب النفوس المطمئنة الطاهرة، فإن الطيبات للطيبين، { فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ } [التوبة: 72] أي: مقامات علية قريبة.

{ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ } [التوبة: 72] يعني: أكبر من جميع هذه المقامات؛ لأن الرضا باب الله الأعظم، والرضا من الله يوجب رضا العبد كما قال الله تعالى:رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [التوبة: 100] والعبد لا يرضى من الله تعالى إلا بنيل كمال مقصوده منه، ولهذا منَّ على النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكرامة السنية.

وقال تعالى:وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [الضحى: 5] الحبيب لا يرضى من الحبيب بشيء دونه، وأيضاً ورضوان من الله أكبر؛ لأنه من صفاته وما دونه من أفعاله والأفعال محدثة والصفات قديمة، { ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } [التوبة: 72]؛ لأنه هو الفوز بصفات الله العظيم.

ثم أخبر عن الجهاد مع أهل العناد بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ } [التوبة: 73] يشير إلى القلب الذي له بناء من مقام الأنبياء، ويأمره بالجهاد مع كفار النفس وصفاتها، وهذا مقام المشايخ أن يجاهدوا مع نفوسهم أو نفوس مريديهم كما قال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2