الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } * { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

ثم أخبر عن وعيد المنافقين بقوله تعالى: { وَعَدَ اللهُ ٱلْمُنَافِقِينَ } [التوبة: 68] إلى قوله: { يَظْلِمُونَ } [التوبة: 70]، { وَعَدَ اللهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ } في الأزل في قسمةنَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ } [الزخرف: 32].

{ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا } [التوبة: 68] وهي نار جهنم الحرص والحرمان؛ إذ لم يصيبهم رشاش نور الجمال بقوا في نار قهر العظمة والجلال، { هِيَ حَسْبُهُمْ } [التوبة: 68] إذ هي نصيبهم في تلك القسمة، { وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ } [التوبة: 68] وطردهم بسوط نفاقهم وكفرهم.

{ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ } [التوبة: 68] من البعد ونار القطيعة، { كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً } [التوبة: 69] بالاستعداد الفطري، { وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً } [التوبة: 69] بالاعتداد وطلب الكمال، { فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ } [التوبة: 69] أي: فصرفوا الاستعداد والاعتداد في الانتفاع بالشهوات العاجلة دون الارتفاع في الدرجات الآجلة.

{ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ } [التوبة: 69] أي: رضيتم بنصيبكم من التمتعات الدنيوية والنفسانية، وضيعتم استعدادكم في قبول الفيض الإلهي الروحاني، { كَمَا ٱسْتَمْتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ } [التوبة: 69] كما رضيت الأمم الخالية بنصيبهم من الحظوظ النفسانية، وإضاعة حقوقهم الروحانية الربانية، { وَخُضْتُمْ } [التوبة: 69] في تحصيل الباطل وترك الحق ورضيتم بالخسران والحرمان، { كَٱلَّذِي خَاضُوۤاْ } [التوبة: 69] فيما لا يعنيهم وضيعوا ما يعنيهم.

{ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا وَٱلآخِرَةِ } [التوبة: 69]؛ إذ كان حاصل تحصيلهم منها الوبال والحسرة والبعد والحجاب؛ إذ ما أورثتهم إلا عذاب القطيعة والحرمان عن جوار الرحمن واحتباس في النيران، { وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [التوبة: 69] في رأس مال العمر والاستعداد وما أعدهم الله من الاعتداد؛ لأنهم صرفوا في عبودية الهوى ومخالفة رضا المولى.

{ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ } [التوبة: 70] ليعتبروا بها، { أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ } [التوبة: 70] ليهتدوا بها فتداركهم الشقاء واستقبلوهم بالإباء، فأدركهم البلاء وأهلكوا ولم ينفعهم الإباء، { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } [التوبة: 70] عن الاستعداد والاعتداد، { وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [التوبة: 70] بصرف الاستعداد والاعتداد فيما أمرهم الهوى على خلاف أمر المولى فخسروا الآخرة والأولى.