الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ } * { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } * { لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

ثم أخبر عن أن الحذر لا يفيد مع القدر بقوله تعالى: { يَحْذَرُ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } [التوبة: 64] إلى قوله: { هُمُ الْفَاسِقُونَ } [التوبة: 67] يشير إلى أن المنافقين وإن اعتقدوا نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم واعتقدوا ثبوته حتى خافوا نزول السورة بالإنباء بما في قلوبهم من الكفر والنفاق وإفشاء أسرارهم لم ينفعهم مجرد الاعتقاد والإقرار باللسان في ثبوت الإيمان مع أدنى شك دخلهم فيه، وأنه لم ينفعهم الحذر مع القدر، وهذا تحقيق قوله: " ولا ينفع ذا الجد ".

{ قُلِ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ } [التوبة: 64] وهذا أمر التكوين، وقد مضى لهم القدر بالاستهزاء، { إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ } [التوبة: 64] بقضائه وقدره، { مَّا تَحْذَرُونَ } [التوبة: 64] لتعلموا أن الحكم والمشيئة له لا لغيره، { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ } [التوبة: 65] عن أفعالهم وأحوالهم.

{ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } [التوبة: 65] يعني: يحيلون الأمور الموجبة للكفر إلى أنفسهم؛ لقصور نظرهم وهم عن رؤية وجوب إجلال الله بمعزل، وأنهم عن أحكامه الأزلية وقضائه غافلون، { قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ } [التوبة: 65] على زعمكم أنكم كنتم مصدر الأمور ومرجعها بمشيئتكم، { لاَ تَعْتَذِرُواْ } [التوبة: 66] يعني: بمثل هذه الأعذار لأنكم { قَدْ كَفَرْتُمْ } [التوبة: 66] فيما اعتذرتم به.

{ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ } [التوبة: 66] بعد إقراركم بالكفر بقولكم: { إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ } ، { إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ } [التوبة: 66] إظهاراً للفضل والرحمة، { نُعَذِّبْ طَآئِفَةً } [التوبة: 66] إظهاراً للقهر والعزة، { بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ } [التوبة: 66] يشير به إلى أن إظهار اللطف والرحمة بلا سبب محتمل، ولكن إظهار القدر لا يكون إلا بسبب جرم من المجرمين.

{ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ } [التوبة: 67] يعني: طينة نفوسهم وجبلة قلوبهم من جنس واحد وأرواحهم متقاربة في صف واحد من صفوف الأرواح؛ إذ هي جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، فمعاملاتهم من نتائج خصوصية أرواحهم السفلية بالنسبة إلى الأرواح العلوية فمن نتائج خصوصيتها، { يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ } [التوبة: 67] وهو ما يقطعهم عن الله ويبعدهم عنه.

{ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ } [التوبة: 67] وهو ما يقربهم إلى الله ويوصلهم به، { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } [التوبة: 67] عن فعل الخير وصدق النيات، { نَسُواْ ٱللَّهَ } [التوبة: 67] فيما فعلوا من المعاصي وترك الأوامر، فلو ذكروه قبل الإتيان لم يفعلوا ما فعلوا، ولو ذكروه بعد الإتيان لاستغفروه لما فعلوه كقوله تعالى:وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } [آل عمران: 135] ونسوه بترك الطلب وصدق التوجه؛ إذ هم توجهوا للدنيا وشهواتها، { فَنَسِيَهُمْ } [التوبة: 67] بالخذلان ووكلهم أنفسهم في الطغيان والعصيان، { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [التوبة: 67] الخارجون عن قبول فيض النور الإلهي حين خلق الله الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره.