الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } * { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ } * { إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا مِنَ ٱلآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

{ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا } [التوبة: 35] أي: على ما لم ينفقوه في طلب الحق، { فِي نَارِ جَهَنَّمَ } [التوبة: 35] أي: يحمي نار جهنم الحرص، { فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ } [التوبة: 35] أي: جباه القلوب والأرواح؛ لأنها لا تتوجه للحق وطلبه، { وَجُنوبُهُمْ } [التوبة: 35] أي: لئلا تتجافى عن المضاجع المكونات، يدعون ربهم خوفاً من القطيعة، وطمعاً في الوصول إلى عالم الحقيقة، { وَظُهُورُهُمْ } [التوبة: 35] أي: لئلا تركع وتتواضع لله تعالى.

{ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ } [التوبة: 35] أي: يقال هذا الذي أصابكم من الحرمان، وكثرة الهجران ما خصكم وأخرتم بخسران أنفسكم، { فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ } [التوبة: 35] أي: الآن في الآخرة، فذوقوا من ألم الحرمان والخسران الحاصل في الدنيا من كي نار الحرص ولم تكونوا تذوقوا؛ لأنكم كنتم في منام الغفلة عن الآخرة، والنائم لا يذوق ألم الكي في النوم، وإنما يذوقوه عند الانتباه " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ".

ثم أخبر عن عدة الشهور التي وجبت فيها الزكاة على الجمهور بقوله تعالى: { إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ } [التوبة: 36] أي: إن تقدير عدة الشهور عند الله في الأزل اثنا عشر، { شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } [التوبة: 36] في علم الله، { يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } [التوبة: 36] يعني: اقتضت الحكمة الإلهية الأزلية أن يكون من الشهور.

{ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ } أي: يعظم انتهاك المحارم فيها بأشد ما يعظم في غيرها؛ بل هي أشهر الطاعات والعبادات محرمة فيها الشواغل الدنيوية والحظوظ النفسانية على الطلاب، وفيه إشارة إلي أن أيام الطالب وأوقات عمره ينبغي أن تصرف جملتها في الطلب فإن لم يتيسر له ذلك فثلثاها وإلا فنصفها، وإن لم يكن فمحرم صرف ثلثها في غير الطلب ولا يفلح من نقص من صرف الثلث شيئاً في الطلب إذ لا بد له من صرف بعض عمره في تهيئ معاشه ومعاش أهله وعياله، ومن استغنى عن هذا المانع فمحرم عليه صرف لحظة من عمره في غير الطلب وتوابعه كما قال { ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ } [التوبة: 36] أي: المستقيم يعني: من صرف شيئاً من عمره في شيء غير طلب الحق ما استقام دينه؛ بل فيه اعوجاج بقدر ذلك فافهم جدّاً.

ثم قال: { فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } [التوبة: 36] أي: في ثلث العمر لأن الأربعة هي ثلث الاثني عشر، يعني: إن صرفتم شيئاً من ثلث أعماركم المحرم في شيء من المصالح الدنيوية فقد ظلمتم أنفسكم باستيلائها على القلوب والأرواح عند غلبات صفاتها؛ لأنه مهما يكن صرف أكثر العمر في الدنيا ومصالحها واستيفاء الحظوظ النفسانية تكون النفس غالبة على القلب والروح فتخالفهما وتنازعهما بجميع صفاتها الذميمة، وتميل إلى الدنيا وشهواتها وتعبد هواها فتكون مشركة بالله فلهذا قال: { وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً } [التوبة: 36] أي: قلوبكم وصفاتها وأرواحكم وصفاتها.

السابقالتالي
2