الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ } * { وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ }

قوله تعالى: { بَرَآءَةٌ } [التوبة: 1] إلى قوله: { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ } [التوبة: 4].

الإشارة فيها: فاعلم أن الحكمة ترك كتابة { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ } في أول السورة براءة، وكتابتها في سورة النمل؛ ليعلم أنها آية مكررة في القرآن، وأنها أكثر مما أنزلت في أوائل السور؛ لتكون فاصلة بين السورتين، ولتكون كل سورة متوجة بتاج اسم الله تعالى وصفة جماله وجلاله، فحيث نزلت كتبت، وحيث لم تنزل لم تكتب، فلما لم تنزل في أول براءة ما كتبت في أولها ونزلت في أول النمل وفي أثنائها كتبت في الموضعين جميعاً.

{ بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 1] يشير إلى أن النفوس المتمردة المشركة التي اتخذت الهوى إلهاً وتعبدت صنم الدنيا فهادها الروح والقلب في أوان الطفولية، وعاهدها على ألا يجاهداها ولا يقاتلاها إلى حد البلوغ، وهي أيضاً لا تتعرض لهما لاستكمال القالب واستواء القوى البشرية التي بها يتحمل حمل الأمانة، واعياً لأركان الشريعة وظهور كمال العقل الذي يستعد لقبول الدعوة وإجابتها، وبه يعرف الرسل ومعجزاتهم، وبه يثبت الصانع ويرى تعبده واجباً لأداء شكر نعمه، وإن الله ورسوله بريء من تلك المعاهدة بعد البلوغ، فإنه وإن نقض عهد النفوس مع القلوب والأرواح؛ لأن النفس قبل البلوغ كانت تتصرف في المأكول والمشروب والملبوس؛ لتربية القالب ودفع الحاجة الماسة غالباً وذلك لم يكن فقراً جداً للقلب والروح، فأمَّا البلوغ فزاد في تلك التربية بالمأكول والمشروب والملبوس الضروري الشهوة، ولمَّا ظهرت الشهوة شملت آفتها المأكول والمشروب والنكوح واشتعلت نيرانها وأشعلت يوماً بيوم وفيها مرض القلب والروح وبعثت الأنبياء ولدفع هذا المرض وعلاجه، كما قال صلى الله عليه وسلم: " بعثت لرفع العادات وترك الشهوات ".

وفي قوله تعالى: { فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ } [التوبة: 2] إشارة إلى أن للنفوس في أرض البشرية سيراً وساحة لتكميل الأوصاف الأربعة النباتية والحيوانية والشيطانية والإنسانية التي تتولد بازدواج الروح العلوي النوراني المفرد والقالب السفلي الظلماني المركب من العناصر الأربعة، فالنباتية: تولد الماء، والحيوانية: تولد الريح، والشيطانية: تولد النار، والإنسانية: تولد التراب.

فلتكتمل هذه الصفات أرخيت أزمة النفوس في مراتع الدنيا ونعيمها إلى البلاغة ثم قال: { وَٱعْلَمُوۤاْ } [التوبة: 2] يعني: نفوس أهل السعادة { أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ } [التوبة: 2] أي: لا تعجزونه أن ينزعكم عن المراتع الدنيوية ويمتعكم بالمنافع الأخروية { وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ } [التوبة: 2] يعني: مهلك أهل الشقاوة في تيه الغفلات والشهوات، { وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } [التوبة: 3] أي: أعلام وأخيار منهما.

{ إِلَى ٱلنَّاسِ } [التوبة: 3] أي: إلى الصفات الناسوتية، { يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ } [التوبة: 3] يوم الوصول إلى كعبة الوصال والحج الأكبر يوم الوصول إلى كعبة القلب، { أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } [التوبة: 3] يشير إلى أن زيارة كعبة الوصال وطوافها حرام على مشركي الصفات الناسوتية؛ لأنها تميل إلى غير الله، وتركن إلى ما سواه فلا تطوف الناسوتية حول كعبة اللاهوتية إلا بعد فنائها فيها، { فَإِن تُبْتُمْ } [التوبة: 3] على الناسوتية بإفنائها في اللاهوتية.

السابقالتالي
2