الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } * { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } * { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ } * { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } * { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ }

{ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ } [التوبة: 14] أي: القلوب والأرواح باستيلائكم عليها كما عذبتكم عند استيلائها عليكم، { وَيُخْزِهِمْ } [التوبة: 14] ويذلهم بالقهر والقمع، { وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 14] بالظفر بها، { وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ } [التوبة: 14] أي: الأرواح والقلوب المؤمنة بانتقامهم من النفوس الكافرة الناكثة العهود، { وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ } [التوبة: 15] يعني: وحشتها وكدورتها، { وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ } [التوبة: 15] من النفوس إلى الرجوع إلى الحق قبل التمادي من غير احتياج برياضة شديدة، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } [التوبة: 15] بالنفوس التي ترجع بالشريعة إلى الحق والتي تتمادي في الباطل، { حَكِيمٌ } [التوبة: 15] فيما حكم ودبر في كليتها.

ثم أخبر عن لزوم الجهاد مع أهل العناد بقوله تعالى: { أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ } [التوبة: 16] الإشارة فيها أم حسبتهم أيتها النفوس الأمارة بالسوء أن تتركوا بلا رياضة ومجاهدة، { وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ } [التوبة: 16] بترك الهوى وشهوات الدنيا، { وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [التوبة: 16] يعني: الأرواح والقلوب، { وَلِيجَةً } [التوبة: 16] أولياء من الشيطان والدنيا والهوى، { وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [التوبة: 16] من التوجه إلى الحق بالصدق مخلصاً ومستوياً بالأعراض والعلل.

ثم أخبر عن أحوال الأعمال مردودها ومقبولها بقوله تعالى: { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَٰجِدَ ٱللهِ } [التوبة: 17] إلى قوله: { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [التوبة: 19] الإشارة فيها { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ } إشارة إلى النفوس الأمارة بالسوء المشركة التي تعبد الهوى والدنيا وشهواتها يعني: ما كان من شيمة أمارتها عمارة مسجد الله وهي القلوب، وهم { شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ } [التوبة: 17] يعني: وهم مقرون على ما جبلت عليه النفوس من التمرد وتعبد الهوى، { أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ } [التوبة: 17] أي: صدرت عنهم رياءً وسمعة، { وَفِي ٱلنَّارِ } [التوبة: 17] أي: نار البعد والقطيعة، { هُمْ خَٰلِدُونَ } [التوبة: 17] { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ } [التوبة: 18] أي: يعمر مساجد القلوب ويزينها من النفوس { مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } [التوبة: 18] أي: صدق بأن المقصود والمعبود هو الله لا الدنيا وشهواتها الفانية وعمل نيل السعادة الأخروية الباقية، { وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ } [التوبة: 18] أي: أدام المناجاة مع الله بصدق القلب، وأدى حق التزكية عن الأخلاق الذميمة والأوصاف الرديئة، فإن بها عمارة القلوب، { وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ } [التوبة: 18] أي: لم يخف من فوات الحظوظ الدنياوية في طلب الله، وإنما يخاف فوات الحقوق الإلهية، { فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ } [التوبة: 18] يعني: النفوس عقب هذه الأحوال، { أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ } [التوبة: 18] من الله إلى الله، { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ } [التوبة: 19] يشير إلى المستخدمين من هذه الطائفة الذين ينصبون نفوسهم لخدمة أرباب الطلب ولهم أغراض فاسدة، يقول: أتجعلون هذه الخدمة المنسوبة بالأغراض.

{ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [التوبة: 19] أي: الأعمال الموجبة بعمارة القلوب إذا كانت خالصة عن الرياء والأغراض من الزهد والتصوف والتقيد بالمشوبات بالرياء والهوى، { كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [التوبة: 19] أي: مساوياً إيمانه واعتقاده طلب الله تعالى وهو مجاهد في السير إلى الله، { لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [التوبة: 19] الذين يضعون الأعمال الصالحة في غير موضعها رياءً وسمعه إلى حضرة جلاله.