الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ }

ثم أخبر عن نعمة بعثة النبي وإعراضهم عن القبول بقوله تعالى: { لَقَدْ جَآءَكُمْ } [التوبة: 128] أي: من الله، { رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ } [التوبة: 128] في البشرية، وهذا تسكين العوام لئلا ينفروا عنه ويمتنعون عن متابعته ويقولوا: لا طاقة لنا بمتابعته؛ لأنه ليس من جنسنا في البشرية، نظيره قوله تعالى:قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } [الكهف: 110] وفيه إشارة الخواص؛ إذ يقولون: إن أحداً من جنس البشرية أوصل إلى هذه المراتب العلية والمقامات السنية بالاستقلال، فيحتمل أن يصل في متابعته إليها كما قال تعالى:قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ } [آل عمران: 31] ومقام المحبوبية من أشرف المقامات وأعلاها، فلما تحصل بالمتابعة فأدناها أولى بالحصول، وأما بقراءة من قرأ أنفسكم - بفتح الفاء - فيشير به إلى نفاسة جوهرة في أصل الخلقة؛ لأنه أول جوهراً يدعه الله تعالى كما قال: " أول ما خلق الله روحي ".

وأيضاً يشير به إلى نفاسة جوهره في الخلاص عن تعلق الكونين وبلوغه إلى قاب قوسين وعروجه إلى مقام أو أدنى وعلو همته؛إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ * مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } [النجم: 16-17] واختصاصه برؤية القدر؛ أي: من آيات ربه الكبرى وتحليته بحليته،فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } [النجم: 10]، { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } [التوبة: 128] أي: يشق عليه انقطاعكم عن الله تعالى: { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ } [التوبة: 128] في إيصالكم إلى الله تعالى وإنزالكمفِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ } [القمر: 55]، { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 128] لتربيتهم في الدين المتين بالرفق، كما قال صلى الله عليه وسلم: " هذا الدين متين فأوغلوا فيه بالرفق وبالرحمة يعفو عنهم سيئاتهم " ، كما أمره الله تعالىفَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱصْفَحْ } [المائدة: 13].

وفي قوله: { بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 128] في حق نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي قوله تعالى لنفسه عز وجل:إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [الحج: 65]، وفيه لطيفة شريفة وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا كان مخلوقاً كانت رأفته ورحمته مخلوقة فصارت مخصوصة بالمؤمنين لضعف الخلقة، وأن الله تعالى لمَّا كان خالقاً كانت رأفته ورحمته قديمة، فكانت عامة للناس لقوة الخالقية من الناس كان قابلاً للرأفة والرحمة النبوية؛ لأنها كانت من نتائج الرأفة والرحمة الخالقية، كما قال تعالى:فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } [آل عمران: 159].

{ فَإِن تَوَلَّوْاْ } [التوبة: 129] أي: اعرضوا عن قبول نصحك ورأفتك ورحمتك ولم يسعوك في طلب الحق، { فَقُلْ حَسْبِيَ ٱللَّهُ } [التوبة: 129].

يشير إلى أن تبليغ الرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم كان موجباً لقربته إلى الله تعالى وقبوله، فلمَّا بلغ رسالته فقد تم مقصوده من الله تعالى وقربته إن قبلوا منه أو اعرضوا عنه { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [التوبة: 129] أي: لا مقصود ولا مطلوب في جميع الأحوال، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } [التوبة: 129] أي: هو العظيم الذي يحتاج العرش مع عظمته إلى ربوبيته مع اختصاص العرش باستواء صفة رحمانيته عليه - واللهُ أعلم - إن قبلوا منه أو أعرضوا عنه، { لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ } [التوبة: 129] أي: المقصود ولا مطلوب ولا محبوب ولا معبود لي فيما عملت إلا الله، { عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ } [التوبة: 129] أي: هو كان مقصودي ومطلوبي في جميع الأحوال، { وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ } [التوبة: 129] أي: هو العظيم الذي يحتاج العرش مع عظمته إلى ربوبيته مع اختصاص العرش باستواء صفة رحمانيته عليه.