الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ لَقَدْ تَابَ الله عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } * { وَعَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوۤاْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ } * { يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } * { مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

ثم أخبر عن تأثير عنايته وآثار هدايته بقوله تعالى: { لَقَدْ تَابَ ٱللهُ عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ } [التوبة: 117] إلى قوله: { وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ } [التوبة: 119]، { لَقَدْ تَابَ ٱللهُ عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ } أي: تاب عليه في الأزل قبل أن يذنب، وإذا وقعت التوبة من الله قبل الذنب فيكون الذنب قبل أن يقع مغفوراً، يدل عليه قوله تعالى:لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } [الفتح: 2] فالمغفرة مقدمة على الذنب، وكذلك قوله تعالى:عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ } [التوبة: 43] قدم العفو على الاعتراض، ولعل هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم لتكون فائدة الذنب عائدة عليه من غير توب عن دنس الذنب، فإنه لم يكن لصورة الذنب فائدة راجعة إلى معنى الذنب لما أجرى الله صغيرة النبي من أنبيائه، وفي شرح هذا طول لا نشرع فيه.

وفيه معنى آخر وهو أن التوبة فضل من الله تعالى ورحمة مخصوصة به لينعم بذلك على عباده فكل نعمة وفضل يوصله الله إلى عباده تكون عبارة على ولاية النبوة، فمنها يفيض على المهاجرين والأنصار وجميع الأمة، فلهذا قال تعالى: { لَقَدْ تَابَ ٱللهُ عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ } [التوبة: 117] يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم " ما صب الله في صدري شيئاً إلا وصبه في صدر أبي بكر رضي الله عنه ".

{ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } [التوبة: 117] عسرة ترك الدنيا وشهواتها ولذاتها، وعسرة نهي النفس عن هواها وعسرة الصبر على جهاد النفس ومخالفة هواها، وعسرة انقياد النفس لتكاليف الشرع واستعمالها، { مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } [التوبة: 117] تميل إلى الدنيا وشهواتها طبعاً، { ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ } [التوبة: 117] بإفاضته نور العناية والرحمة؛ ليرجعوا من طلب الدنيا وشهواتها إلى طلب الآخرة ودرجاتها.

{ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 117] في الأزل والرحمة خلقهم، وفيه إشارة: { لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ } أي: نبي الروح، فإنه بمنزلة النبي يأخذ بإلهام الحق حقائق الدين ويبلغها إلى أمته من القلب والنفس والجوارح والأعضاء، فالمعنى: أفاض الله على نبي الروح ومهاجري صفاته الذين هاجروا معه من مكة الروحانية إلى مدينة الجسدانية، والأنصار من القلب والنفس وصافتهما الذين هم ساكنوا مدينة الجسد فيضان الرحمة.

{ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ ٱلْعُسْرَةِ } أي: اتبعوا الروح ساعة رجوعه إلى عالم العلو بالعسرة؛ إذ هم نشأوا من عالم السفل يعسر عليهم السير إلى عالم العلو { مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ } [التوبة: 117] من النفس وصفاتها وهواها، فإن ميلها طبعاً إلى عالم السفل، ثم تاب عليهم بإضافة الفيض الرباني؛ لتغلبهم عن طبعهم { إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [التوبة: 117]؛ ليجعلهم بالسير بالشريعة قابلاً للرجوع إلى عالم الحقيقة.

السابقالتالي
2 3