الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } * { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ }

ثم أخبر عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن استغفارهم للمشركين بقوله تعالى: { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ } [التوبة: 113]، إلى قوله: { مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } [التوبة: 116] يشير إلى أن الله تعالى ما أودع ولاية الهداية الإلهية واستجلاء العناية الربانية في الاستعدادات الإنسانية لا للأنبياء ولا للأولياء، { وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ } [التوبة: 113] والرفعة فيه أن يكون أكثر اهتماماً في حق الأقرباء وهم أحب إليه من غيرهم فيجتهد فيهم غاية الاجتهاد في طلب المراد؛ وذلك لأن الهداية من مواهب الربوبية لا من مراتب العبودية، كما صرَّح به في قوله تعالى:إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } [القصص: 56] أي: من لا أريد هدايته، وهذا معنى قوله تعالى: { مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } [التوبة: 113] أي: المردودون من أهل البعد؛ يعني: ليس للأنبياء والأولياء تبديل خلق الله ولا تبديل لكلمات الله، فمن حكمت المشيئة الأزلية والحكمة الإلهية بشقاوته لا ينفعه استغفار المستغفرين ولا شفاعة الشافعين، كما لم ينفعه إنذار المنذرين وعدوة النبيين، ومن اقتضت الحكمة الإلهية والإرادة الأزلية سعادته فإنه تنفعه الشفاعة والإنذار والهداية، كما قال تعالى:وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } [الشورى: 52] أي: للمقبولين من أهل القربة والكرامة.

ثم اعتذر عن استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه فقال تعالى: { وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ } [التوبة: 114] يعني: استدل إبراهيم بمواعدة أبيه أن يكون أبوه من المقبولين فينفعه استغفاره فاستغفره ربه، { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ } [التوبة: 114] أي: المردودين، { تَبَرَّأَ مِنْهُ } [التوبة: 114] وتولى إلى الله تعالى.

{ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ } [التوبة: 114] الأَوَّاه المتبرئ من المخلوقات؛ لكثرة نيل المواجيد والكرامات، فيكون لضيق البشرية تولاه مولاه، فمهما ورد له وارد الحق ضاق عليه نطاق الخلق فيتأوه عند تنفس القلب المضطر من الخلق إلى الحق ويفر من الخلق ويفر إلى الحق ملحاً من جلدة الإنسانية منفرداً للفردانية متوحداً للوحدانية، حليم عمَّا أصابه من الخلق للحق، فلا رجوع من الحق إلى الخلق بحال من الأحوال، كما قال لجبريل عليه السلام: ابتلاه الله به في الهواء، لما ألقى بالمنجنيق إلى النار عند قوله: " ألك حاجة " كيف أرجع من الحق في تلك الحالة لمقال: أما إليك فلا.

{ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ } [التوبة: 115] يعني: إذ هداهم بالتوحيد والتفريد إلى الوحدانية والفردانية لا يردهم بالمكر إلا إلى الإثنينية والبعد، { حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ } [التوبة: 115] من آفات البشرية وعاهات خصائص الدنيوية التي رأس كل خطيئة وبلية، فإذا لم يحترزوا عنها ووقعوا فيها بعيداً بالاستدراج إلى ما خرجوا منها بالوجد من لوث الوجود من حيث لا يعلمون، وهذا يدل على الحور بعد الكور نعوذ بالله منه.

السابقالتالي
2