الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ } * { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } * { كِرَاماً كَاتِبِينَ } * { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ } * { وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } * { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ } * { وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ }

{ كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِٱلدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ } [الانفطار: 9-10] حقاً أنهم يكذبون بيوم الجزاء؛ لأجل هذا يعملون الفساد ويرجون من الله الثواب، ولو أنكم تصدقون بيوم الحساب ما كنتم متورطين في المخالفات، وحفظتنا للتي كانت رقباؤكم يحفظون أعمالكم ويشهدون ما تفعلون { كِرَاماً كَاتِبِينَ } [الانفطار: 11] يكتبون ما تكسبون { يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الانفطار: 12] يمهلونكم لتزدادوا إثماً؛ لأنا كتبنا في الكتاب القديم { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ ٱلْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } [الانفطار: 13-14]؛ لأن بذور البر إذا زرعت خرجت النعيم، وبذور الفجور إذا زرعت أبرزت الجحيم، وإنكم اليوم في الزراعة لأن الدنيا مزرعة الآخرة، وغداً في الحصاد فكل أحد يحصد ما يزرع، فالعجب من العاقل أنه يزرع الشوك ويرجو الرطب فليس هذا الغرور إلا من إلقاء الغرور، فاحذر منه وأزرع في مزرعتك خيراً تحصد رغبته ولا تزرع شراً لئلا تحصد ندامته، { يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ ٱلدِّينِ } [الانفطار: 15]؛ يعني: الفجار في جحيم عمروها منذ عاشوا في الدنيا، { وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَآئِبِينَ } [الانفطار: 16]؛ يعني: الفجار ما كانوا عن الجحيم بغائبين معهم يعمرونها ولكن كانوا محجوبين؛ لكثافة جحيمهم وعمى أبصارهم المريضة، فسل محبة الدنيا وظفرة الهوى، { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } [الانفطار: 17] ثم كرر معظماً لذلك اليوم ويقول: { ثُمَّ مَآ أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ ٱلدِّينِ } [الانفطار: 18]؛ يعني: أخذ عنهم الاختيار الوهبي الذي أعطاهم الله؛ ليبلوهم أيهم أحسن عملاً بذلك الاختيار الوهبي نسوا الله واليوم الآخر، وحصلوا مشتهيات أنفسهم على وفق هواهم، ويملكون بعضهم ويَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً } [الكهف: 104] بغلبتهم على الآخرين وباستيفاء حظوظهم من الدين { يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَٱلأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ } [الانفطار: 19] اليوم أيضاً لله، ولكنهم سبب اختيارهم الذي أعطاهم الله محجبون عن المختار الحقيقي الوهاب لكل أحد اختياره، فإذا نزع عنهم الاستعداد وأخذ الاختيار فعرفوا في ذلك الوقت أن ليس لهم اختيار، ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً.

وأقروا أن الأمر بيد الله وهو المريد المختار الفعال لما يريد ولا ينفعهم في ذلك الوقت الإقرار، فالواجب عليك أيها السالك، أن تجتهد في أن تشاهد اليوم اختياره واضطرارك، وتعلم أن الأمر كله بيد الله يبطش ويأخذ، ويعطي ويمنع، ويحيي ويميت، يرفع أقواماً ويضع آخرين، يعز من يشاء ويذل من يشاء، ويحكم ما يريد، وتلتجئ إلى حضرته بالتمسك والعجز ليرحمك إن شاء الله، ولا يمكن هذا إلا بترك اختيارك وتسليمك إلى شيخك؛ ليوصلك إلى الاختيارية الحقيقية إن شاء الله، ولأجل هذا السر يحتاج إلى بشر مثلك؛ لينذرك ويبشرك ويهديك إلى ربك، ولأجل هذا [تُلِي على] زبدة الكائنات عليه أزكى التحيات وأزكى الصلوات بقوله تعالى:

السابقالتالي
2