الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يُجَادِلُونَكَ فِي ٱلْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } * { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ مُرْدِفِينَ } * { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ }

{ يُجَادِلُونَكَ } [الأنفال: 6] الروح والقلب، { فِي ٱلْحَقِّ } [الأنفال: 6] أي: في مجيء الحق، { بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى ٱلْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ } [الأنفال: 6] الفناء كمن يساق إلى الموت، { وَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ } [الأنفال: 7] أيها السائرون إلى الله، { إِحْدَى ٱلطَّآئِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ } [الأنفال: 7] إمَّا الظفر بالأعداء وهي النفوس، فإن الظفر بها نهاية إقدام الرجال السائرين، وعزيز الواردات الروحانية وغنائم الأسرار الربانية.

{ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ ٱلشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } [الأنفال: 7] أي: أردتم ألا تجاهدوا عدوّ النفس ذات المكر والحيلة والهوى، واستحليتم الواردات والشواهد الغيبية وذلك أن السير قسمان: سير السالكين على أقدام الطاعات وتبديل الصفات النفسانية إلى جنات الروحانية، وسير المجذوبين على أجنحة عنقاء الجذبات إلى وراء قاف الأنانية، ألا ترى إلى حال موسى عليه السلام أنه لما كان من السالكين كان سيره إلى ميقات ربه قال تعالى:وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا } [الأعراف: 143]، وكان مقامه مع الله المكالمة؛ إذ لم يجاوز طور النفس، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما كان من المجذوبين كان سيره على جناح جبريل عليه السلام إلى سدرة المنتهى ومنها على رفرف الجذبة الإلهية إلى قاب قوسين أو أدنى فكان مقامه مع الله المشاهدة لما جاوز عن قاف الأنانية، فمن العناية ألاَّ يكل الله السائر إلى ما يوافق طبعه وهواه؛ بل يخرجه من ظلمات الطبيعة إلى نور الحقيقة، كما قال تعالى: { وَيُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ } [الأنفال: 7] بجذباته.

{ وَيَقْطَعَ دَابِرَ ٱلْكَافِرِينَ } [الأنفال: 7] يعني: يقطع بمجيء الحق دابر كفار النفوس عن المجذوبين، { لِيُحِقَّ ٱلْحَقَّ } [الأنفال: 8] بالمجيء، { وَيُبْطِلَ ٱلْبَاطِلَ } [الأنفال: 8] بالزهوق عند مجيء الحق، { وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } [الأنفال: 8] أي: النفوس الأمارة بالسوء، { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ } [الأنفال: 9] يعني: عند استغاثة الروح والقلب من النفوس إلى الله عند استيلاء صفاتها وغلبة هواها على الروح والقلب.

{ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِّنَ ٱلْمَلاۤئِكَةِ } [الأنفال: 9] أي: ألف صفة من الصفات الملكية والروحانية، { مُرْدِفِينَ } [الأنفال: 9] متعاقبين؛ لتكون صفات النفس بها مغلوبة، { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } [الأنفال: 10] يعني: هذا الإمداد، { إِلاَّ بُشْرَىٰ } [الأنفال: 10] أي: إلا بشهادة لكم بتبديل الأخلاق.

{ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ } [الأنفال: 10] أي: بهذا التبديل، { قُلُوبُكُمْ } [الأنفال: 10] وتتحقق عندكم النتائج من أمارات النصر والظفر بالنفوس، { وَمَا ٱلنَّصْرُ } [الأنفال: 10] الحقيقي الذي هو الظفر بالنفس وهلاكها واضمحلال صفاتها، { إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } [الأنفال: 10] يعني: بتجلي صفة القهارية، { إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ } [الأنفال: 10] لا يوصل إلا بعد فناء الوجود، { حَكِيمٌ } [الأنفال: 10] بمن يفنيه عنه ويبقيه به.

ثم أخبر عن آثار لطفه مع الأخيار وأثار قهره مع الأشرار بقوله تعالى: { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ } [الأنفال: 11] إلى قوله:

السابقالتالي
2