الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوۤاْ أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُمْ مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }

ثم يخبر عمن حكمة استبقاء الأسارى بقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّمَن فِيۤ أَيْدِيكُمْ مِّنَ ٱلأَسْرَىٰ } [الأنفال: 70] يشير إلى النفوس المأسورة التي أسرت في الجهاد الأكبر عند استيلاء سلطان الذكر عليها والظفر؛ يعني: قل لها: { إِن يَعْلَمِ ٱللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً } [الأنفال: 70] من الاطمئنان على ذكر الله والعبودية والانقياد تحت أحكامه، { يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِّمَّآ أُخِذَ مِنكُمْ } [الأنفال: 70] يعني: إن أخذ منكم شهوات الدنيا ونعيمها وزينتها يبدلكم الله نعيم الجنة ودرجاتها وهي خير منها؛ لأن الدنيا ونعيمها فانية والجنة ونعيمها باقية، { وَيَغْفِرْ لَكُمْ } [الأنفال: 70] يستر ظلمة صفاتكم بأنوار صفاته، { وَٱللَّهُ غَفُورٌ } [الأنفال: 70] ساتر بأنوار صفاته لمن طلب ستره، { رَّحِيمٌ } [الأنفال: 70] بهم بأن رحمهم يستر الوجود من أنوار الشهود، { وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ } [الأنفال: 71] يعني: إن سامحت النفوس المأمورة في إطلاقها عن إشرافها على بعض شهواتها المشروعة فتريد خيانتك؛ أي: التجاوز عن حد الشريعة أو الطريقة، { فَقَدْ خَانُواْ ٱللَّهَ مِن قَبْلُ } [الأنفال: 71] بالتجاوز عن الشريعة أو الطريقة، { فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ } [الأنفال: 71] عند استيلاء الذكر عليها والمجاهدة، فجاهدها بملازمة الذكر ونفي الشهوات عنها، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } [الأنفال: 71] بأحوالها، { حَكِيمٌ } [الأنفال: 71] فيما دبره من أمر جهادها وتزكيتها عن أوصافه الذميمة.

ثم أخبر عن أهل الجهاد بقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ } [الأنفال: 72] إلى آخر السورة، الإشارة: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } بأن طلب الله حق وواجب وهاجروا غير الله، فهاجروا عن أفعالهم القبيحة الطبيعية إلى الأفعال الحسنة الشرعية، وعن أوصافهم الذميمة إلى الأخلاق الحميدة، وعن وجودهم المجازي إلى الوجود الحقيقي، { وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ } [الأنفال: 72] ببذلها، { فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الأنفال: 72] أي: في طلب الحق وترك كل باطل هو غير الحق، { وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ } [الأنفال: 72] ذكر الله ومحبته وصدق طلبه في القلوب، { وَّنَصَرُوۤاْ } [الأنفال: 72] المحنة بالذكر الدائم والطلب القائم، { أُوْلَـٰئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ } [الأنفال: 72] في المرافقة والموافقة والطلب والسير إلى الله، { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ } [الأنفال: 72] بأن الطلب حق، { وَلَمْ يُهَاجِرُواْ } [الأنفال: 72] عن أفعالهم وأوصافهم ووجودهم المجازي، { مَا لَكُمْ } [الأنفال: 72] أيها الطالبون الصادقون: { مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ } [الأنفال: 72] من موالاتهم ومخاطبتهم.

{ حَتَّىٰ يُهَاجِرُواْ وَإِنِ ٱسْتَنصَرُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ } [الأنفال: 72] أي: وإن استمردوكم في طلب الدين، { فَعَلَيْكُمُ ٱلنَّصْرُ } [الأنفال: 72] أي: الهداية ليتحقق عندهم وجوب الطلب؛ يعني: الذين آمنوا بالطلب ولم يهاجروا من أوصافهم بعد، فإن جاءوكم واستعانوا بكم في الطلب وتمسكوا بأذيال الوصال منكم فعليكم أن تدلوهم طريق الحق بمعاملتكم وسيركم؛ ليقتدوا بكم بأحوالكم، { إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِّيثَاقٌ } [الأنفال: 72] يعني: إلا على بعض أحوالكم مما صالحتم نفوسكم بعدما جاهدتموها وأسرتموها سراً فلا تدلوا الطلاب على هذه الأحوال فإنهم بعد في بدء أمر الجهاد لا يصلح لهم الاطلاع على مصالحة الواصلين مع نفوسهم ليميلوا إلى الصلح في أوان الجهاد والقتال مع النفوس، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ } [الأنفال: 72] من الصلح والجهاد، { بَصِيرٌ } [الأنفال: 72] يسلم الصلح للواصلين دون المجاهدين الطالبين.