الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

ثم أخبر عن التوسل والتوكل بقوله تعالى: { وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَٱجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } [الأنفال: 61] إلى قوله: { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 64] الإشارة فيه: { وَإِن جَنَحُواْ } أي: النفس وصفاتها لتسلم بينها وبين القلب والروح { فَٱجْنَحْ لَهَا } وذلك أن النفس لما رأت صدق الطالب الصادق في الصدق وشاهدت جده في الاجتهاد، وتحقق عندها ثباتها على مخالفتها، ومواظبته في العبودية، وتألفت مع الطاعات والعبادات، فتنور بأنوارها وتنقاد لأحكام الشريعة، وتزكى بتزكية الطريقة، وتتنسم روائح الحقيقة، وتطمئن إلى ذكر الله تعالى، فحينئذ يجوز مصالحتها على القيام بأداء الأوامر والنواهي والفرائض والسنن وترك الدنيا وزينتها وشهواتها على تبديل الصفات النفسانية الحيوانية بالأخلاق الروحانية الربانية، وألاَّ يحمل عليها إصراً من دوام المجاهدة والرياضة البدنية ولكن مع هذا لا يعتمد على النفس وصلحها، بل يكون الطالب متيقظاً محتاجاً متوكلاً على الله تعالى في مراقبتها؛ لئلا تخدعه وتمكر به، ولهذا قال تعالى: { وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } أي: ثق بلطفه وكرمه ولا تثق بالنفس وخديعتها ومكرها، { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } [الأنفال: 61] لما دعوته إليه في رعايتك من خداع النفس ومكرها، { ٱلْعَلِيمُ } [الأنفال: 61] بمكائدها، ومنعها منها، { وَإِن يُرِيدُوۤاْ أَن يَخْدَعُوكَ } [الأنفال: 62] يعني: النفس والشيطان والدنيا.

{ فَإِنَّ حَسْبَكَ ٱللَّهُ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 62] أي: وأيدك بالروح والقلب وسر المؤمنين وألَّف بين الروح والقلب والسر والمؤمنين، { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } [الأنفال: 63] يعني: ألَّف بين الروح والقلب والسر وبين النفس وصفاتها، { لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً } [الأنفال: 63] يعني: في أرض وجودك من السعي والجد والاجتهاد، { مَّآ أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } [الأنفال: 63] أي: بينهم لما فيهم من التضاد الروحاني والنفساني الظلماني، { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } [الأنفال: 63] بالقدرة الكاملة والحكمة البالغة، { إِنَّهُ عَزِيزٌ } [الأنفال: 63] لعزته ألَّفَ بين الروح والنفس والقلب والقالب؛ ليكون الشخص الإنساني طلسماً على كنز وجوده، { حَكِيمٌ } [الأنفال: 63] فيما حكم ووتر بكسر الطلسم والوصول إلى كنز، { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } [الأنفال: 64] مطلوباً ومقصوداً ومعبوداً ومحبوباً، { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأنفال: 64] أي: لمتابعيك المخصوصين بالاتباع الحقيقي بأن يكون مطلوبهم ومحبوبهم الله سبحانه وتعالى.