الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } * { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } * { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ }

ثم أخبر عن إحسانه مع أهل الإيمان والعرفان بقوله تعالى: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } [الأنفال: 17] نفى عن الصحابة القتل بالكلية، وأحال القتل إلى نفسه تعالى بقوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ }؛ لأنه تعالى كان مسبب أسباب القتل من إمداد الملائكة، وإلقاء الرعب في قلوب الكفار، وتقوية قلوب المؤمنين بتثبيت أقدامهم، وإذهاب رجز الشيطان عنهم، وربط الصبر على قلوبهم، فالفعل يحال إلى السبب والمسبب كقولهم: القلم يكتب مليحاً، وهو السبب، والكاتب يكتب مليحاً، وهو المسبب للكتابة.

وقال تعالى: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } [الأنفال: 17] نفى الرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: { وَمَا رَمَيْتَ } [الأنفال: 17] ثم أثبت له الرمي بقوله: إذ رميت، ثم نفى عنه بقوله: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ } أثبت الرمي لنفسه تعالى، والفرق فيما بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين الصاحبة نفي القتل عن الصحابة بالكلية، وأحاله إلى نفسه تعالى فجعلهم سبباً للقتل وهو المسبب، وهاهنا ما نفى الرمي عن النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية؛ بل أسند إليه الرمي ولكن نفى وجوده بالكلية في الرمي وأثبته لنفسه، وما رميت بك إذ رميت ولكن رميت بالله وذلك في مقام التجلي، فإذا تجلى الله لعبد بصفة من صفاته يظهر على العبد منه فعل يناسب تلك الصفة كما كان من حال عيسى عليه السلام، فلما تجلى له بصفات الإحياء كان يحيي الموتى بإذنه أي: به، وهذا كقوله تعالى: " كنت له سمعاً وبصراً... " الحديث، فلما تجلى للنبي صلى الله عليه وسلم بصفة القدرة كان يرمي به حين رمى وكان يده يد الله في ذلك لمَّا كشف الغطاء عن هذه الحقيقة في قوله تعالى:إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ يَدُ ٱللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ } [الفتح: 10].

ثم أخبر الله تعالى: { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً } [الأنفال: 17] أي: لينعم عليهم مما جرى على النبي صلى الله عليه وسلم من إظهار القدرة بالرمي بأن يهديهم إلى هذا المقام الكريم، فيجتهدوا في متابعته إلى أن يبلغوا هذا المقام إذ لهم في رسول الله أسوة حسنة، { إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ } [الأنفال: 17] أي: مجيب لدعائهم عند طلب هذا المقام، { عَلِيمٌ } [الأنفال: 17] بنياتهم فيما يطلبون منه.

{ ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } [الأنفال: 18] أي: ذلك الإبلاء مما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم بالله وقدرته؛ ليعلموا أن الله مضعف مبطل يد كفار النفوس واستيلاء صفاتها بالتجلي، ثم قال تعالى: { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } [الأنفال: 19] أي: إن تفتحوا قلوبكم بمفتاح الصدق والإخلاص وترك ما سوى الله في طلب التجلي فقد جاءكم الفتح بالتجلي، فإن الله متجل في ذاته أزلاً وأبداً فلا تغير له وإنما التغير في أحوال الخلق، فإنهم عند انغلاق أبواب قلوبهم إلى الله محرومون عن التجلي وعند انفتاح أبوابها محظوظون به، ثم قال تعالى: { وَإِن تَنتَهُواْ } [الأنفال: 19] أي: عن غير الله في طلب الله، { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [الأنفال: 19] من سواه، { وَإِن تَعُودُواْ } [الأنفال: 19] إلى الدنيا وطلب لذاتها وشهواتها وزخارفها وإلى ما سوى الله، { نَعُدْ } [الأنفال: 19] إلى خذلانكم ونكفكم إلى أنفسكم وهواها ودواعيها وغلبات صفاتها.

السابقالتالي
2