الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } * { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً }

أيها الذاكر هل أتى عليك حين من الدهر في الذكر كأن لم يكن شيئاً مذكوراً ولم يكن شيئاً مذكوراً، ولو لم يكن هكذا لن يصح منك الذكر؛ لأن من خاصية الذكر نسيان غير الحق كما يقول في كتابهوَٱذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } [الكهف: 24]؛ أي: نسيت سوى الرب إما تقرأ كلام الرب حيث يقول: { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } [الإنسان: 1]، وهذا الحال يظهر على الذاكر الذي يسلك في مرتبة آدم عند غلبة سلطان ذكر الحق على طينة قالبه، فتلاشى الطين من الطينة الطينية، وينفذ نور الذكر الحقيقي في أجزاء وجوده وعند مجيء الحق زهوق الباطل، كما قال في كلامه:جَآءَ ٱلْحَقُّ وَزَهَقَ ٱلْبَاطِلُ إِنَّ ٱلْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } [الإسراء: 81]، فلما يزهق الباطل يصير اللطيفة مستحقة؛ لينفخ الروح القدسي الإضافي فيها، فإذا نفخ فيها صار السالك آدم وقته وإنساناً كاملاً في مرتبة البياض والسواد.

{ إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ } [الإنسان: 2]؛ أي: من نور نطفة الولاية في هذه المرتبة { أَمْشَاجٍ } [الإنسان: 2] مختلطة بنور النبوة ونور الحق، ونور الربوبية في رحم الإرادة، { نَّبْتَلِيهِ } [الإنسان: 2] بالإصدار التي جمعناها جبراً في قالبه، وأمرناه بمحافظة الأضداد ومخالفة هواهم، { فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً } متصفاً بصفة سمع الحق { بَصِيراً } [الإنسان: 2] متصفاً بصفة بصره، { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ } [الإنسان: 3] بعد إعطاء هاتين الصفتين إياه؛ يعني: سبيل المحق الباطل، { إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } [الإنسان: 3] نعمتنا وهذه الهداية تمام أمر الابتلاء،لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ } [الأنفال: 42].

{ إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } [الإنسان: 4]؛ يعني: هيأنا للكافرين، فمنها: سلاسل التمني والحرص؛ بحيث لو كان له واديان من ذهب لابتغى ثالثاً، ولا يملأ جوفه إلا التراب وأغلال البخل وسعير الحسد، ويسّرنا لهم كسب السلاسل والأغلال والسعير { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } [الإنسان: 5]؛ يعني: إن الشاكرين نعمنا يشربون من كأس استعدادهم التي كان مزاجها كافوراً؛ يعني: طينة الكأس ممن وجه بكافور الجمال صورة والجلال معنى، والمسك جلالي في الصورة والكافور جمالي في الصورة، وفي بيان هذا السر لطيفة، لو بحت بها لاستباح العوام سفك دم، وإن كان من بطن القرآن فطويت صحيفتها.