الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } * { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

ثم أخبر عن حالهم ومالهم بقوله تعالى: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } [الأعراف: 92] إلى قوله: { كَٰفِرِينَ } [الأعراف: 93]، الإشارة فيها: أن في قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا } ، إشارة إلى: أن المكذبين والمنكرين وإن كانت لهم غلبة في وقته ولكن تندرس أيامهم بأسرع حال ويسقط ميتهم ويحمل ذكرهم وتضمحل أثارهم ويكون أهل الحق بالحق غالباً في كل أمر والباطل زاهق بكل وصف، كما قال تعالى: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ }؛ يعني: شعيب وقومه هم الفائزون المفلحون، { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ } [الأعراف: 93] فما علي من إقراركم وإنكاركم شيء، إن أحسنتم فالميراث الجميل لكم، وإن أسأتم فالضرر بالمتألم عائد عليكم ومالك الأعيان أولى بها من الأعيان، فالخلق خلقه والملك ملكه، إن شاء هداهم وإن شاء غواهم، { فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ } [الأعراف: 93]، فما تأسف على نفي وفقد ولا أثر من كون ووجود؛ لأن لكل صادر من حكيم بالغ في حكمه كامل في قدرته.

ثم أخبر عن حكمته في البأساء والضراء بقوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ } [الأعراف: 94] إلى قوله:ٱلْخَاسِرِينَ } [الأعراف: 149]، الإشارة فيها: أن قوله تعالى: { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن } ، يشير إلى أن سبب البأساء والضراء ابتلاءه لأوليائه وأعدائه، فالولي يتضرع إليه عند البلاء ويرجع إليه، ويتوكل عليه، ويتمسك بحبل الصبر والتسليم والرضا، ويتمسك بالعروة الوثقى، والعدو يأخذ في الجزع والكفران ولا يصبر على البلاء بالخذلان ولا يستسلم للقضاء، ويرجع في ذلك إلى الخلق ويذهل عن الحق.

{ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ } [الأعراف: 95]؛ يعني: فإذا تمادوا في غيهم ولم ينتبهوا من غفلتهم مَدَّ عليهم ظلال الاستدراج، ووسعنا عليهم أبواب الزور مكراً بهم في الحال، فإذا وطنوا على مساعدة الدنيا قلوبهم وركنوا إلى ما سوَّلت لهم في امتداد أيامهم نفوسهم، { وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ } [الأعراف: 95]، فلمَّا لم يعتبروا بما اغتروا من الشدة والرضا أبرز لهم من مكامن التقدير ما نغص لهم طيب الحياة وأوردهم موارد الهلكات، { فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } [الأعراف: 95] أنهم يعاقبون ويعذبون.