ثم أخبر عن قوم هود عليه السلام بقوله تعالى: { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } [الأعراف: 65]، القصة الإشارة فيها: أن في قوله تعالى: { وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً } إلى قوله: { ٱلْكَاذِبِينَ } [الأعراف: 66]، إشارة إلى أن قلوب قوم هود أيضاً نسخة خبيثة كما كانت لقوم نوح لم يخرج منها الأنكد، فلما أراد هود عليه السلام أن يبذر فيها بذر التوحيد والمعرفة لم تكن صالحة، فما خرج منها إلا نبت التشقية والتكذيب سلكوا طريق سلفهم وإخوانهم وسنوا بمثل حالهم، { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } [الأعراف: 65]. قال: { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ * قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ } [الأعراف: 66-67]؛ أي: بكم السفاهة، { وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ } [الأعراف: 67] وأنتم مكذبي لسفاهتكم، { أُبَلِّغُكُمْ رِسَٰلٰتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } [الأعراف: 68] فيما أدعوكم إلى الله، وإن من أسقطته القسمة لم تنفعه النصيحة، { أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ } [الأعراف: 69]؛ أي: يوقظكم من نوم الغفلة، ويخبر عن يوم الحسرة من قوت الدولة، فمن فرط الجهالة وغاية العنادة عجبوا من كون رجل سأل سؤلاً، ولم يتعجبوا من كونهم جعلوا الصنم شريكاً له!! { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } [الأعراف: 69] جعل الله الخلق بعضهم خلفاً عن بعض، وجعل الكل خلفاء في الأرض ولا يفني جنساً منهم إلا أقام فوجاً منهم في ذلك الجنس، فأهل الغفلة إذا انقرضوا خلف عنهم قوماً، وأهل الوصلة إذا انقرضوا خلف عنهم قوماً، { وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً } [الأعراف: 69] كما زاد قوماً على من تقدمهم في بسطة الخلق، وكما وقع التفاوت بين شخص وشخص فيما يعود إلى المعاني أوقع التفاوت بين قوم وقوم فيما يرجع إلى المعاني. { فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ } [الأعراف: 69]؛ أي: إذا لم تستحقوا لذكر الله فاذكروا نعمة الله عليكم، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [الأعراف: 69] بذكر الله على الحقيقة، فلما لم يعرفوا قدر نعم الله، { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا } [الأعراف: 70] جعلوا الآلهة من فرط جهالتهم وغاية ضلالتهم عدلاً لله وشريكاً له. ثم قالوا من عكوفهم على التفرقة: { فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [الأعراف: 70] فشتان بين من لا يخرج من عنق التفرقة، ومن لا يجد لحظة عن ستر التوحيد فلا يعبد إلا واحداً، وكما لا يعبد إلا واحداً لا يشهد إلا واحداً، كما قال قائلهم: لا يهتدي قلبي إلى غيركم؛ لأنه سد عليه الطريق، قال: يعني هود في جوابهم، { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ } [الأعراف: 71]؛ أي: مقالتكم تدل على حالتكم أنه أحيا بكم سطوات غضب الله وسخطه، فإن من علامات الغضب: الإعراض، ومن إمارات الإعراض والبعد إلى شهود الأغيار وتفريقه إياه في بحار الظنون؛ إذ لا تحصل للأغيار في معنى الإثبات، { مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } [الأعراف: 71].