الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } * { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

{ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ } [الأعراف: 52]؛ يعني: لهؤلاء المنكرين كما جئنا للمؤمنين، { بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَىٰ عِلْمٍ } [الأعراف: 52]؛ أي: بقرائن مبيناً فيه من العلوم ما يكون، { هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 52] به ويهتدون به، فاهتدى المؤمنين به إلى الله، وضل المنكرون والجاحدون به عن الله، { هَلْ يَنظُرُونَ } [الأعراف: 53]؛ أي: هل ينتظرون الفريقان { إِلاَّ تَأْوِيلَهُ } [الأعراف: 53]؛ أي: ما تؤول إليه عاقبته في شأنهم، فأما المؤمنين فيكشف عنهم الغطاء ويرش عليهم العطاء؛ ليجدوا الشفاء من محنة البعاد، وينالوا الضياء بقرب الوداد، ويصلوا في الدنيا والعقبى؛ أي: جميل المراد، وما لأهل الجحود والإنكار إلى العزة في قسمهم إلا الذلة والافتقار، وفي الآخرة إلا العذاب الشديد في دركات النار، { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ } [الأعراف: 53] فإذا كشف جلال الغيب وانتفى عن قلوبهم أغطية الدين فلا بكاء لهم ينفع، ولا دعاء لهم يسمع، ولا شكوى عنهم ترفع، ولا شافع لهم يشفع، ولا دافع عنهم العذاب يدفع، ولا البلوى من دونهم تقطع، { قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } [الأعراف: 53] بإفساد استعداد نيل الكمالات، وتاهوا في تيه الضلال، { وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } [الأعراف: 53] من هواجسهم النفسانية ووساوسهم الشيطانية في طلب الدنيا ومتابعة الهوى.

ثم أخبر عن عزة ربوبيته وقدرة ألوهيته بقوله تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [الأعراف: 54]، الإشارة فيها: أن الله تعالى يعرِّف ذاته إلى الخلق بصفاته وهي: الربوبية، والإلوهية، والقادرية، والخالقية، والمدبرية، والحكيمية، والاستوائية، فقال تعالى: { إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [الأعراف: 54]، فيشير إلى أن الذي هو ربكم وسيدكم الذي تجب طاعته عليكم لربوبيته هو: الله المستحق للعبادة بالإلوهية، الذي خلق بالقادرية والخالقية السماوات والأرض بالمدبرية والحكيمية خلقها في ستة أيام، وإنما حصر في ستة أيام؛ لأن أنواع المخلوقات ستة وهي:

الأول: الأرواح المجردة.

والثاني: الملكوتيات، فمنها: الملائكة، والجن، والشياطين، وملكوت السماوات، ومنها: العقول المفردات والمركبات.

والثالث: النفوس: كنفوس الكواكب، ونفس الإنسان، ونفس الحيوان، ونفس النبات والمعادن.

والرابع: الأجرام والبساط العلوية من الأجسام اللطيفة كالعرش، والكرسي، والسماوات، والجنة والنار.

والخامس: الأجسام المفردة وهي: العناصر الأربعة.

والسادس: الأجسام المركبة الكثيفة من العناصر فتصير عن خلق كل نوع منها بيوم، وإلاَّ فالأيام الزمانية كونها مستحيل قبل خلق السماوات والأرض، فلما أتم خلق المكونات من الأنواع الستة استوى على العرش بعد الفراغ من خلقها استواء التصرف في العالم وما فيه التدبير في أموره من العرش إلى تحت الثرى، وإنما اختص العرش بالاستواء؛ لأنه مبدأ الأجسام اللطيفة القابل للفيض الرحمانية.

السابقالتالي
2