الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ } * { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ }

ثم أخبر عن أحوال أهل الجنة بعد أهوال النار بقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } [الأعراف: 42] إلى قوله: { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ } [الأعراف: 45]، والإشارة فيها: أن الله تعالى بفضله وكرمه خفف عن أنفس أهل الغاية الإيمان والطاعة فقال: { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [الأعراف: 42]، رفعنا عن ظاهرهم وباطنهم كلفة الإيمان والعمل فسيرنا عليهم العبودية بحسن التوفيق.

{ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف: 42]؛ أي: الذي خلقناهم للجنة مستعدين للسير إليها بأقدام الطاعات، { هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [الأعراف: 42] إذ خلقوا لها، { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ } [الأعراف: 43]؛ أي: بنور قذفناه في قلوبهم وهو نور الإيمان فشرحنا صدورهم للإسلام بضوئه، { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم } من ظلمة صفات البشرية وهي: الغل، فأخرجناهم من الظلمات إلى النور، وبدَّلنا أخلاقهم الدنيئة الذميمة بالأخلاق العلية الحميدة، وطهرنا قلوبهم بالإيمان والعمل الصالح، وأرواحهم بماء العرفان، وأسرارهم بشراب طهور تجلي صفات الجمال وجعلناهمإِخْوَٰناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ } [الحجر: 47]؛ أي: إخواناً في الله على سرر من السرور بالله، متقابلين لألطاف الله وشهود أنوار الغيب وكشوف أسرار الحق تعالى.

{ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَٰرُ } [الأعراف: 43]؛ أي: تجري من تحت أسرارهم أنهار الحكمة وعيون المعرفة، { وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلاۤ أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ } [الأعراف: 43] اعترافاً منهم وإقراراً على أنفسهم بأنهم ينالوا ما نالوا، ولم يصلوا إليه من جزيل تلك العطيات وعظيم تلك المواهب والرتب والمقامات بجهدهم واستحقاق فعلهم؛ وإنما ذلك جمع ابتداء فضل منه ورحمة، { لَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ وَنُودُوۤاْ } [الأعراف: 43] في أسرارهم: { أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا } [الأعراف: 43] يا أهل المحبة من أهل السهو والغفلة، { بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } [الأعراف: 43] وتطلبون ما تحبون في متابعة الحبيب فوجدتم ما طلبتم، وإنهم لا يعملون بما يعلمون ويطلبون ما يحبون من الدنيا وشهواتها فيجدون دركات السفلى ونهاية البعد.

{ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ } [الأعراف: 44]؛ أي: أرباب المحبة، { أَصْحَابَ ٱلنَّارِ } [الأعراف: 44]؛ يعني: أهل نار القطيعة، { أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً } [الأعراف: 44]؛ أي: فيما قال: ألا من طلبني وجدني، { فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً } [الأعراف: 44]؛ أي: فيما قال: من يطلب غيري لم يجدني، { قَالُواْ نَعَمْ } [الأعراف: 44] فأجابوهم: بل وجدنا حقاً، { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ } [الأعراف: 44] العزة والعظمة، { بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } [الأعراف: 44] الذين وضعوا استعداد الطلب في غير موضع مطلوبه، وصرفوه في غير مصرفه، { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ } [الأعراف: 45]؛ أي: هم الذين يصدون القلب والروح، { عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [الأعراف: 45] وطلبه، { وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً } [الأعراف: 45]؛ أي: يصرفون وجوههم إلى الدنيا وما فيها، { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ } [الأعراف: 45]؛ أي: وهم منكرون على أهل المحبة فيما يطلبون فيما تأخر عن حسهم وهم يطلبون ما يدركون بالحواس الظاهرة دون ما في الآخرة.

السابقالتالي
2