الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ ويَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } * { وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ ٱلنَّاصِحِينَ } * { فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ ٱلشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌ مُّبِينٌ } * { قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

ثم أخبر عن إعزاز آدم وإسكانه في الجنة بعد طرد إبليس ولعانه بقوله تعالى: { وَيَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } [الأعراف: 19] إلى: { عَدُوٌ مُّبِينٌ } [الأعراف: 22]، الإشارة فيها: أن الخطاب مع آدم عليه السلام بقوله تعالى: { وَيَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } إنما كان خطاب الابتلاء والامتحان، والنهي نهي التعزز والدلالة كأنه قال: يا آدم أتيحت لك الجنة وما فيها إلا هذه الشجرة، فإنها شجرة المحبة، والمحبة مطية المحنة، اسكن أنت وزوجك الجنة واسكن إليها وإنما خلقتها لتسكن إليها، { فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا } [الأعراف: 19] من أنهار الجنة وأشجارها ونعمتها بنعيمها وأزهارها { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } [الأعراف: 19] شجرة المحبة احترازاً عن المحنة.

{ فَتَكُونَا مِنَ ٱلظَّالِمِينَ } [الأعراف: 19] على أنفسكما؛ لأن للمحبة ناراً ونوراً، فمن لم يرد نارها لم يجد نورها، ومن يرد نورها تحترق بنارها منه أنانيته وما هو به هو فيبقى بهوية ربه، فهاهنا يجد نور المحبة ويتنور به كقوله تعالى:يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54] فشجرة المحبة غرسها الرحمن بيده لأجل آدم كما خمر طينة آدم بيده لأجل هذه الشجرة، وإن منعه منها كان تحريضاً على تناولها، فإن الإنسان حريص على ما منع ولم تكن الشجرة طعمة لغير آدم وأولاده، فلمَّا ابتلى آدم بهذا الخطاب وامتحن جوهره بترك هذه الطعمة المخصوصة والالتفات بغيرها؛ ليظهر أنه خلق لها وهي خلقت له سكنت نفس آدم إلى حواء إلى الجنة وما فيها إلا إلى الشجرة المنهي عنها؛ لأنها كانت مشتهى لقلب أعداؤه فما كان للنفس فيها حظ، ولم يسكن قلبه إلى شيء منها إلا إلى هذه الشجرة ولا يزال يزداد توقانه إليها فيقصدها ويمنعه النفس عنها وتمسك في منعه بحبل النهي.

وقوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ } [الأعراف: 19]؛ حتى أعنى القلب، { فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا } [الأعراف: 20] من الكمال والنقصان فيهما، { وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ } [الأعراف: 20]؛ يعني: إذ لا يتناولان من شجرة المحبة يكونان من أهل العلو كالملكين في زوايا الجنة، { أَوْ تَكُونَا مِنَ ٱلْخَالِدِينَ } [الأعراف: 20]؛ يعني: الذي هم خلقوا في الجنة كالحور ورضوان خزَّان الجنان وغيرهم، فأثر بعض هذا في قلب آدم وتنسم منه رائحة الأنس بمسام الروح؛ إذ كان قلبه وروحه متعطشين إلى دلال ذلك الجمال وكان ورد وقتهما ما قيل:
واللهَ ما طلعت شمس ولا غربت   إلا وأنت مني قلبي ووسواسي
ولا جلست إلى قوم أحدثهم   إلا وأنت حديثي بين جلاسي
ولا هممت بشرب الماء من عطش   إلا رأيت خيالاً منك في الكأس
فتساكر القلب وغاب النفس في عزم على التناول فداخله خوف البشرية ولامته النفس اللوامة فكاد القلب أن يهن في الغرم وتذكر النهي فسقاه إبليس كأس القسم شراب ذكر الحبيب.

السابقالتالي
2