ثم أخبر عن سؤالهم من سوء حالهم بقوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } [الأعراف: 187] إلى قوله: { يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 188] الإشارة فيها: أن الساعة عبارة عن: الساعة التي يظهر الله تعالى فيها آثار الصفة القهارية؛ لإفناء عالم الصورة وهو الملك ظاهر الكون كقوله تعالى:{ لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [غافر: 16] حين تطوى السماوات وتبدل الأرض ولا يبقى من الملك وأهله داعٍ ولا مجيب، فيجيب هو سبحانه ويقول:{ لِلَّهِ ٱلْوَاحِدِ ٱلْقَهَّارِ } [غافر: 16]، وفي قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [الأعراف: 187] دليل على أن للساعة ثقلاً من ظهور صفة القهر يضيق منها نطاق طاقة السماوات والأرض، وأنه مما استأثر الله به نفسه، وأنها هي الساعة التي يموت فيها الخلق؛ لأنه يقول { لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً }. وفي قوله تعالى: { يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا } [الأعراف: 187] معنى آخر من الإخفاء: وهو المنع، منعت علمها عنهم، ومنه في حديث خليفة كتبت إلى ابن عباس أن يكتب إلي ويخفي عني؛ أي: يمسك عني بعض ما عنده مما لا أحتمله وعطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فوق ثلاث فقال له: خفوت؛ أي: منعتنا أن نشمتك بعد الثلاثة، والخفو: المنع، فقال تعالى: { قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ } [الأعراف: 187] لا عندي، { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } [الأعراف: 187] أن علمها عند الله وليس عندك، يدل عليه قوله تعالى: { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً } [الأعراف: 188] بمشيئة حادثة، { إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ } [الأعراف: 188] في الأزل بمشيئة القديمة أن يكون لي أو يملكني ما شاء لي تمليكه، { وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ ٱلْغَيْبَ } [الأعراف: 188]؛ يعني: ولو كنت كذلك، { لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ ٱلْخَيْرِ } [الأعراف: 188] من الحياة الأبدية ورفع الحاجات البشرية والأحكام الإلهية، { وَمَا مَسَّنِيَ ٱلسُّوۤءُ } [الأعراف: 188]؛ أي: الموت والحاجات، { إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ } [الأعراف: 188] لمن كان حياً بالحياة الحقيقية فيسمع كلامي وينتفع بإنذاري فيؤثر ما يبقى علي ما يفنى، { وَبَشِيرٌ } [الأعراف: 188] بما فضل الله به على خواص عباده من الدرجات العلية المقامات السنية والكرامات والقربات، { لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 188] بها والسعي في تحصيلها، فإن الإيمان الحقيقي هو: السعي في طلب ما آمنوا به والإتيان بما أمروا به والانتهاء عما نهوا عنه. ثم أخبر عن الذي عنده علم الساعة بقوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ } [الأعراف: 189] إلى قوله:{ فَلاَ تُنظِرُونِ } [الأعراف: 195] والإشارة فيها: أن في قوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ }؛ تعريف نفسه بالخالقية والقادرية على أنه يخلق النفوس كلها من نفس واحدة وهي: نفس آدم عليه السلام، وفيه يشير إلى أن النفوس كما خلقت من نفس واحدة فكذلك الأرواح خلقت من روح واحدة وهو: روح محمد صلى الله عليه وسلم، فكان هو أبا الأرواح كما كان آدم أبا البشر لقوله صلى الله عليه وسلم: