الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ فَٱدْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } * { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِمْ مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَوَلَمْ يَنْظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىۤ أَن يَكُونَ قَدِ ٱقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } * { مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

ثم أخبر عن أسمائه الحسنى وصفاته العليا بقوله تعالى: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } [الأعراف: 180] إلى قوله: { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [الأعراف: 182] يشير إلى أن اسم الله له بمثابة العلم للحق وهو: اسم ذاته تعالى، والباقي من الأسماء هو أسماء الصفات؛ لأنه قال تبارك وتعالى: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ } فأضاف الأسماء إلى اسم الله، وأسماؤه كلها مشتقة من صفاته إلا اسم " الله " فإنه غير مشتق عندنا وعند الأكثرين؛ لأنه اسم الذات، وكما أن ذاته تبارك وتعالى غير مخلوقة من شيء كذلك اسمه غير مشتق من شيء، فإن الأشياء غير مخلوقة وما اشتق من مخلوق فهو أيضاً مخلوق، فأسماء صفاته تعالى بعضها مشتق من الصفات الذاتية فهو غير مخلوق، وبعضها مشتق من صفات الفعل فهو مخلوق؛ لأن صفات الذات: كالحياة والسمع والبصر والكلام والعلم والقدرة والإرادة والبقاء قديمة غير مخلوقة، وذاته سبحانه تبارك وتعالى في الأزل بها موصوفة، وصفات الفعل: كالخلق والرزق والعطاء والمنع وغيره من صفات الفعل مخلوقة تضاف إليه عند الإيجاد، فلمَّا أوجد الخلق وأعطاهم الوزن سمي خالقاً ورازقاً، إلا أنه تعالى كان في الأزل قادراً على الخالقية والرازقية، فقوله تعالى: { وَللَّهِ ٱلأَسْمَآءُ ٱلْحُسْنَىٰ }؛ أي: الصفات الحسنى.

{ فَٱدْعُوهُ بِهَا } [الأعراف: 180]؛ أي: فادعوا الله بكل اسم مشتق من صفة من صفاته، بأن تتصفوا وتتخلقوا بتلك الصفة كالاتصاف بها بالأعمال والنيات الصالحة كصفة الخالقية، فإن الاتصاف بها أن تكون مناكحة للتوالد والتناسل لخلافة الخالق، كما قيل لحكيم وهو يواقع زوجته: ما تعمل؟ قال: إن تم فإنساناً، والاتصاف بصفة الرازقية بأن: ينفق ما رزقه الله على المحتاجين ولا يدخر منه شيئاً فعلى هذا قس الباقي، وأمَّا التخلق بها فبالأحوال وذلك بتصفية مرآة القلب ومراقبته عن التعلق بما سوى الله وبوجهه إليه؛ ليتجلى له بتلك الصفات فيتخلق بها وهذا تحقيق قوله: " كنت له سمعاً وبصراً فبي يسمع وبي يبصر ".

{ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ } [الأعراف: 180] قال: يميلون صفاته؛ أي: لا يتصفون بها، وتسميته تعالى باسم لم يسم به نفسه أيضاً من الإلحاد، كما يسمونه الفلاسفة بـ " العلة الأولى " و " الموجب بالذات " يعنون به: أنه تعالى غير مختار في فعله وخلقة وإيجاده تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، ومن وصفه لم يرد به النص فأيضاً إلحاد، { سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [الأعراف: 180] سيجزون الخذلان؛ ليعلموا بالطبع والهوى { مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } بالإلحاد في الأسماء والصفات فيكونواكَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ } [الأعراف: 179].

{ وَمِمَّنْ خَلَقْنَآ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ } [الأعراف: 181]؛ يعني: وزروا هؤلاء الملحدين في الأسماء فإنهم ضالون، وإنا خلقنا طائفة من الخواص { يَهْدُونَ بِٱلْحَقِّ }؛ أي: يتصفون بصفات الحق، { وَبِهِ يَعْدِلُونَ } [الأعراف: 181]؛ أي: وبالحق يحكمون ويميلون إلى الأعمال والأحوال والصفات والأخلاق، { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا } [الأعراف: 182]؛ أي: لم يعملوا بها ولم يتصفوا بصفاتنا، يشير إلى: أحوال أرباب الظواهر فإنهم يعملون بأعمال الشريعة ظاهراً ويستحقون بها المراتب العلية، ولم يعملوا بأعمال بواطنها في عمارة الباطن، ليتصفوا بصفات الحق، وإن تحصل لهم شيء من الأعمال الظاهرة والأحوال الباطنة يجعلونه وسيلة وذريعة لتحصيل المقاصد الدنيوية من الجاه والمال والشهوات فهذا تكذيب الآيات، { سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } [الأعراف: 182] بأن نكلهم إلى أنفسهم وهواها؛ ليميلوا بالطبع عن الحق، ثم يفتح عليهم أبواب ما يميل إليه هوى أنفسهم بالتدريج؛ ليندرجوا فيها ولا شعور لهم بالانحطاط عن مراتبهم والتدرج من منازلهم، بل

السابقالتالي
2