الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } * { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } * { سَآءَ مَثَلاً ٱلْقَوْمُ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُواْ يَظْلِمُونَ } * { مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَـٰئِكَ كَٱلأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْغَافِلُونَ }

ثم أخبر عمن أبطل الاستعداد الفطري، وانسلخ من الآيات بقوله تعالى: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } [الأعراف: 175] إلى قوله تعالى: { فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } [الأعراف: 178] الإشارة فيها: أن في قوله تعالى: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ } الإشارة إلى من خصَّه الله تعالى بآياته وهي: الكتاب والحكمة والكرامات والمعجزات، وهي مخصوصة للأنبياء والأولياء، ثم وكله إلى نفسه فمن خاصته نفسه الأمارة بالسوء أن تنسلخ منها بأن تميل إلى الدنيا وزخارفها وشهواتها، ويتبع هواها في طلب المال والجاه والقبول والشهرة والرئاسة، فلمَّا وقع فرغ همته العلية عن ذكر طلب الحق ومحبته أدركته؛ فغره الشيطان وجعله من الهالكين الضالين عن الحق وطلبه؛ ليعلم أن المعصوم من عصمه الله تعالى، كما قال - عز وجل - في يوسف عليه السلام:وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلاۤ أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ } [يوسف: 24]، وفيه إشارة: إلى أن لا يأمن السالك المحق مكر الله ولو بلغ أقصى مقامات الأنبياء والمرسلين، فلا يغلق على نفسه أبواب المجاهدات والرياضات ومخالفات النفس وهواها في كل حال، كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة الراشدين والصحابة والتابعين وأئمة السلف والمشايخ المتقدمين، ولا يفتح على نفسه أبواب التنعم والتمتع الدنيوي في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمركب والمسكن؛ لأنه كما أن الله تعالى جعل في مكان الغيب للسعداء ألطافاً خفية مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وكذلك في مكامن الغيب للأشقياء أصنافاً من البلايا خفية مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فليحترز السالك الصادق بل البالغ الواصل والكامل الحاذق أن يتعرض لتلك البلايا بالتوسع في الدنيا والتبسط في الأحوال وتتبع الهوى.

فإن في قوله تعالى: { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ } [الأعراف: 176] إشارة إلى أن الطالب الصادق وإن بلغ في سيره إلى الدرجة العليا والرتبة القصوى بحيث يستحق الرفعة الإلهية؛ وهي عبارة عن: اجتذابه من الأنانية إلى الهوية بالجذبات الربوبية، ثم يلتفت إلى ما سوى الحق، ويركن إلى شيء من الدنيا، ويميل إليها، [فتأخذه] الغيرة الإلهية وتستدرجه إلى أسفل دركة يماثل فيها الكلب، كما قال تعالى: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } [الأعراف: 176] يشير إلى أن يصير بالاستدراج بحيث أن نصحته ووعظته ونبهته عن حاله لم يقبل النصح ولم يتنبه، ويتسلك بالدعاوي ويتثبت بالأعداء ويقابلك بالإنكار ويسبك بالإعراض، وإن تركته في بلد الأرض البشرية ويتبع دعاوي الهوى فلا يغترن جاهل مغبون بأن اتباع الهوى لا يضره، فإن الله تعالى ما عذر الأنبياء عن إتباع الهوى وأوعدهم بالضلال كقوله تعالى:

السابقالتالي
2