الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

ثم أخبر عن طبيعة الإنسان إن وكل إليها بالخذلان بقوله تعالى: { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ } [الأعراف: 171] يشير إلى أن الإنسان لو وكل إلى نفسه وطبيعته لا يقبل شيئاً من الأمور الدينية طبعاً، ولا يحمل أثقاله قطعاً؛ إلا أن يعان على القبول والحمل، كما كان حال بني إسرائيل لما أبوا أن يقبلوا أحكام التوراة ويعملوا بها رفع الله على رأسهم جبلاً، { وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } [الأعراف: 171] فاضطروا إلى القبول، فكذلك أرباب العناية رفع الله تعالى على رؤوسهم جبل رحمة، { كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ } إن لم يتوجهوا على الطلب ولم يطلبوا أثقال المجاهدات والرياضيات؛ أي: لو وكلوا إلى أنفسهم ما حملوا، وفي قوله تعالى: { خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ } [الأعراف: 171] إشارة إلى أن على رؤوس أهل الطلب جبل أمر الحق تعالى وهو أمر التحويل؛ أي: يحولهم بالقدرة؛ أي: بأن يأخذوا ما آتاهم الله بقوة منه لا بقوتهم وإرادتهم، { وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ } [الأعراف: 171]؛ يعني: فيما أتاكم الله من فضله، { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [الأعراف: 171] عما سواه به.

ثم أخبر عن حال الإنسان أنه ما وكله إلى طبيعة طينته في أصل الخلقة، بل ألزمه التوحيد في حال التجريد بقوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ } [الأعراف: 172] إلى قوله: { وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الأعراف: 174] يشير إلى أن أخذ المخلوقين يكون أخذ الشيء الموجود من الشيء الموجود، وأن أخذ الخالق تارة هو أخذ الشيء المعدوم من العدم، كقوله تعالى:خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } [مريم: 9]، وتارة هو أخذ الشيء المعدوم من الشيء المعدوم، كقوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } [الأعراف: 172] فكانوا معدومين، فأخذ من كمال قدرته ذرِّيَّتهم المعدومة إلى يوم القيامة من ظهورهم المعدومة من بني آدم المعدومين، فأخذ الله تعالى تلك وأعطاهم وجوداً مناسباً لتلك الحالة، وإنا قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ } خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخطاب، وما قال: ربكم ليعلم أن في معنى الآية دقة وغموض لا يطلع عليها غيره ومن أنعم الله به عليه من خواص متابعيه.

{ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ }؛ أي: فاستخرج الذريات المودعة في ظهور بني آدم عليه السلام من ذريته إلى يوم القيامة من ظهر آدم عليه السلام وهو في العدم بعد،وَلَمْ تَكُ شَيْئاً } [مريم: 9] فكان هذا الاستخراج قدمياً، وآدم عليه السلام عدمياً فتجلى عليهم بالصفة الربوبية ورباهم بلا هُمْ، فبوجوده جعل وجودهم وجوداً هو به؛ أي: أعطاهم شهوداً هو به يشاهدون به بأنفسهم المعدومة، فكانوا يسمعون الخطاب { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ } [الأعراف: 172] من لسان حال التجلي، وبه أجابوه: { قَالُواْ بَلَىٰ } [الأعراف: 172] أنت ربنا الذي أعطيتنا وجود الأنانية ربانية به سمعنا كلامك وبه أجبنا خطابك، فالمسبحون منهم كانوا على ثلاث طبقات:

السابقالتالي
2 3