الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي ٱلأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِٱلْكِتَابِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ }

ثم أخبر عن ابتلاء أهل البلاء بالحسنات والسيئات بقوله تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } [الأعراف: 167] إلى قوله: { إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُصْلِحِينَ } [الأعراف: 170] يشير بقوله تعالى: { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ } إلى أن الله تعالى حكم بقضائه وقدره في الأزلية أن الأرواح والقلوب اللاتي يتبعن النفس وهواها، { لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ } [الأعراف: 167] وهو الشيطان، فإنه هو المنظور إلى يوم يبعثون، وهو يوم القيامة يسومهم، { سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ } [الأعراف: 167] وهو الإبعاد عن العبودية والإضلال عن الصراط المستقيم، فيعذبون بعذاب الفرقة والقطيعة عن الحق، وعذاب الخزية والمذلة للنفس والشيطان، { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ } [الأعراف: 167]؛ يعني: عقابهم يزيد في الدنيا، وهي لهم ليزدادوا إنما هذا عقوبة في الدنيا وهو يورث العقوبة في الآخرة.

{ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ } [الأعراف: 167]؛ يعني: يغفر ذنوب من يرجع إليه ويتوب؛ أي: الأرواح والقلوب إن رجعت عن متابعة النفس وهواها وتابت إلى الله واستغفرت لغفرت، فإنه { رَّحِيمٌ } [الأعراف: 167] يرحم من تاب إليه، وفيه معنى آخر: { إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ ٱلْعِقَابِ }؛ أي: يعاقب المؤمنين في الدنيا بأنواع البلاء،مِّنَ ٱلْخَوْفِ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلأَمَوَالِ وَٱلأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَاتِ } [البقرة: 155]، ويوفقهم الصبر على ذلك؛ ليجعله كفارة لذنوبهم حتى إذا خرجوا أتقياءً من الدنيا لا يعذبون في الآخرة ولا يعاقبون ويجدون الله، { وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } لهم في الآخرة، { وَقَطَّعْنَاهُمْ } [الأعراف: 168]؛ يعني: فرقنا الأرواح والقلوب، { فِي ٱلأَرْضِ } [الأعراف: 168] أرض الأجساد، { أُمَماً } [الأعراف: 168] فرقاً، { مِّنْهُمُ ٱلصَّالِحُونَ } [الأعراف: 168]؛ أي: قابلون لفيض نور الله، { وَمِنْهُمْ دُونَ ذٰلِكَ } [الأعراف: 168] في المقبول.

{ وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ وَٱلسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الأعراف: 168]؛ يعني: جعلنا الحسنات وهي: الطاعات والخيرات، والسيئات وهي: المعاصي والمظالم وسيلة الرجوع إلى الحق وقبول فيض النور، فأما الحسنات فبقدم الطاعات والخيرات يتقرب العبد بها إلى ربه، وأما السيئات فبقدم ترك المعاصي ورد المظالم يتقرب بها إليه، فقال تعالى: " من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً " ، وقال: لن يتقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضت عليهم، وعن بعض المشايخ أنه قال: خطوات وقد وصلت، وفيه معنى آخر: وبلوناهم بالحسنات؛ ليرجعوا إلينا بالشكر والسيئات؛ ليرجعوا بقدم الصبر، فبقدمي الشكر والصبر يرجع إلينا الأرواح والقلوب، وأيضاً: { وَبَلَوْنَاهُمْ بِٱلْحَسَنَاتِ }؛ أي: بكثرة الطاعات ورؤيتها والعجب بها، كما كان حال إبليس، { وَٱلسَّيِّئَاتِ }؛ أي: بالمعاصي ورؤيتها والندامة عليها والتوبة منها والخوف والخشية من ربه، كما كان حال آدم عليه السلام فرجع إلى الله تعالى وقال:رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا } [الأعراف: 23].

{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ } [الأعراف: 169]؛ أي: فخلف الأرواح والقلوب من بعدهم لمَّا سلكوا طريق الحق ووصلوا إلى مقعد الصدق، خلف السوء وهم: النفوس الأمارة بالسوء، { وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ } [الأعراف: 169] وهو ما ألهمهم الله به الأرواح والقلوب من المواعظ والحكم والمعاني والأسرار ورثت النفوس، { يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ } [الأعراف: 169]؛ يعني: من شأن النفوس؛ أي: يجعلون المواهب الربانية والكشف الروحاني ذريعة العروض الدنيوية ويصرفوها في تحصيل المال والجاه واستيفاء اللذات والشهوات، { وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا } [الأعراف: 169]؛ أي: لأنا وصلنا إلى مقام ورتبة يغفر لنا ويعفو عنا مثل هذه الزلات والخطيئات كما هو مذهب أهل الإباحة جهالة وغروراً منهم، وفيه معنى آخر: وهو أنهم يقولون: سيغفر لنا إذا استغفرنا عنها، وهم يستغفرون باللسان لا بالقلب.

السابقالتالي
2