الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } * { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَآءُ وَتَهْدِي مَن تَشَآءُ أَنتَ وَلِيُّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْغَافِرِينَ } * { وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }

ثم أخبر أن رضا الرب في سكون الغضب بقوله تعالى: { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ } [الأعراف: 154] الإشارة فيها: أن في قوله تعالى: { وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى ٱلْغَضَبُ أَخَذَ ٱلأَلْوَاحَ } [الأعراف: 154] إشارة إلى أن موسى عليه السلام الروح مهما اتصف بصفة من صفات النفس مثلاً: الغضب وغيره وباقي ما لاح له من اللوائح الربانية عند استيلاء تلك الصفة، ولمَّا سكت عنه تلك الصفة واضمحلت يعود إليه ما كان بحاله من تلك اللوائح الربانية والكشوف الربانية، { وَفِي نُسْخَتِهَا } [الأعراف: 154]؛ أي: في المنتسخ منها؛ يعني: في الذي عاد إلى الروح من اللوائح التي ألقاها عند غلبة صفة من صفات النفس { هُدًى } [الأعراف: 154] ما يهدي إلى الحق { وَرَحْمَةٌ } [الأعراف: 154] ما هو يرحم، { لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ } [الأعراف: 154]؛ أي: على أهل الرغبة والرهبة ممن يرغب إلى الله بصدق الطلب، ويرهب من عذاب أليم والانقطاع عنه.

ثم أخبر عن اختيار أهل الاختيار بقوله تعالى: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } [الأعراف: 155] إلى قوله: { وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } [الأعراف: 156] الإشارة فيها: أن الله تعالى امتحن موسى عليه السلام باختيار قومه، كما قال تعالى: { وَٱخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا } ليعلم أن المختار من الخلق من اختاره الله لا الذي اختاره الخلق، وأن لله الاختيار الحقيقي؛ لقوله تعالى:وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ } [القصص: 68] وليس للخلق الاختيار الحقيقي لقوله تعالى:مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ } [القصص: 68] ثم استخرج من القوم المختار ما كان موجباً للرجفة والصعقة والمهالك وهو: سوء الأدب في سؤال الرؤية جهاراً، وكان ذلك مستوراً عن نظر موسى عليه السلام متمكناً في جبلتهم وكان الله المتولي للسرائر، وحكم موسى بظاهر صلاحيتهم فأراه الله تعالى أن الذين اختارهم يكون مثلك لقوله تعالىوَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ } [طه: 13]، والذي يختاره يكون كالقوم، فلما تحقق موسى عليه السلام أن المختار من اختاره الله حكم بسفاهة القوم، وأظهر الاستكانة والتضرع والاعتذار والتوبة والإنابة والاستغفار والاسترحام، كما قال تعالى: { فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ } [الأعراف: 155] وفيه إشارة أخرى: أن نار شوق الرؤية كما كانت متمكنة في قلب موسى عليه السلام بالقوة، وإنما ظهرت بالفعل بعد أن سمع كلام الله تعالى، فإن من اصطكاك حجر القلب ظهرت شرر نار الشوق فاشتعل منه كبريت اللسان الصدوق وصعدت شعلة السؤال،قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [الأعراف: 143]، كذلك كانت نار الشوق متمكنة في أحجاره قلوب العوام فباصطكاك زناد سماع الكلام ظهر شوق الشرر فاشتعل منه كبريت اللسان، ولمَّا لم يكن اللسان لسان النبوة صعد منه دخان السؤال الموجب للصعقة والرجفة؛ والسر فيه أن يعلم موسى عليه السلام وغيره أن قلوب العباد مختصة بكرامة إيداع المحبة فيها؛ لئلا يظن موسى أنه مخصوص به، ويعذره غيره عن تلك المسألة فإنها من غلبات الشوق فظهر عند استماع كلام المحبوب؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2 3