الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَٰنَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيۤ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ٱبْنَ أُمَّ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ٱلْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُفْتَرِينَ } * { وَٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِهَا وَآمَنُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }

{ وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ } [الأعراف: 150] الروح من صفات مكالمة الحق، { إِلَىٰ قَوْمِهِ } [الأعراف: 150] من أوصاف الإنسانية، { غَضْبَٰنَ } [الأعراف: 150] مما عبدت صفات القلب عجل الدنيا، { أَسِفاً } [الأعراف: 150] على ما فات لها من عبودية الحق، { قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي } [الأعراف: 150] بصفات القلب، { مِن بَعْدِيۤ } [الأعراف: 150]؛ أي: غيبتي، { أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ } [الأعراف: 150]؛ أي: استعجلتم بالرجوع إلى الدنيا وزينتها والتعلق بها قبل أوانه من غير أن يأمركم به ربكم، وفيه إشارة إلى أن أرباب الطلب وأصحاب السلوك لا ينبغي أن يلتفتوا إلى شيء من الدنيا، ولا يتعلقوا بها في إناء القلب والسلوك؛ لئلا ينقطعوا عن الحق، اللهم إلا إذا قطعوا مفاوز النفس والهوى ووصلوا إلى كعبة وصال المولى فيأمرهم المولى أن يرجعوا إلى الدنيا لدعوة الخلق إلى المولى، وتسليكهم في طريق الدنيا والعقبى، { وَأَلْقَى ٱلأَلْوَاحَ } [الأعراف: 150]؛ يعني: ما لاح الخروج من اللوائح الربانية عند استيلاء الغضب الطبيعي، { وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ } [الأعراف: 150] يعني: القلب فإنه أخ الروح، { يَجُرُّهُ إِلَيْهِ } [الأعراف: 150] قهراً وفراً عند استيلاء الطبيعة الروحانية، { قَالَ ٱبْنَ أُمَّ } [الأعراف: 150] وهما من أب وأم، أبوهما الأمر وأمهما الخلق، وإنما نسبه إلى الخلق؛ لأن في عالم الخلق تواضعاً وتذللاً بالنسبة إلى عالم الأمر، فافهم جدّاً.

{ إِنَّ ٱلْقَوْمَ ٱسْتَضْعَفُونِي } [الأعراف: 150]؛ يعني: أن أوصاف البشرية استذلوني بالغلبات عند غيبتك، { وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي } [الأعراف: 150] وكذلك يكون استيلاء صفات البشرية وغلباتها حلل غيبة الروح وشغله بنوع من الأنواع قهر القلب وهلاكه، { فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ ٱلأَعْدَآءَ } [الأعراف: 150] وهم: الشيطان والنفس والهوى، { وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّٰلِمِينَ } [الأعراف: 150] الذين عبدوا عجل الدنيا وهم: صفات القلب، يشير إلى أن صفات القلب تتغير وتتلون بلون صفات النفس ورعوناتها؛ ومن هنا يكون شنشنة الشيطان من أرباب الطريقة ورعوناتهم وزلات أقدامهم، ولكن القلب من حيث هو هو لا يتغير عما جبل عليه من محبة الله وطلبه وإنما يمرض بتغير صفاته، كما أن النفس لا تتغير من حيث هي هي عما جبلت عليه من حيث الدنيا وطلبها وإنما تغير صفاتها من الأمارية إلى اللوامية والملهمية والرجوع إلى الخالق، ولو وكلت إلى نفسها طرفة عين لعادة المشومة إلى طبعها وجبلتهاسُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } [الفتح: 23].

وفي قوله تعالى: { قَالَ رَبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ } [الأعراف: 151] الإشارة إلى: السير في الصفات؛ لأن المغفرة والرحمة من الصفات، فيشير إلى أن لموسى الروح، ولأخيه هارون القلب استعداداً لقبول الجذبة الإلهية التي تدخلها في عالم الصفات، { وَأَنتَ أَرْحَمُ ٱلرَّاحِمِينَ } [الأعراف: 151]؛ لأن غيرك من الراحمين عاجز عن إدخال غيره في صفاته، وأنت قادر على ذلك لمن تشاء، يدل عليه قوله تعالى:

السابقالتالي
2