الرئيسية - التفاسير


* تفسير التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي/ الإمام أحمد بن عمر (ت618 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنِّي ٱصْطَفَيْتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَآ آتَيْتُكَ وَكُنْ مِّنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { وَكَتَبْنَا لَهُ فِي ٱلأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُوْرِيكُمْ دَارَ ٱلْفَاسِقِينَ }

ثم أخبر عن صفات وأهل القربات بقوله تعالى: { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } [الأعراف: 142] إلى قوله: { تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُؤْمِنِينَ } [الأعراف: 143] الإشارة فيها: أن في قوله تعالى: { وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً } إشارة إلى الميعاد في الحقيقة كان أربعين ليلة وإن كان في الظاهر ثلاثين ليلة لقوله تعالى: { وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ } فالتمام هو: الأربعون، والثلاثون ناقص، ويدل على هذا قوله تعالى:وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [البقرة: 51] وإنما أظهر الوعد ثلاثين ليلة؛ لضعف البشرية قواعد ثلاثين ليلة ثم أتمها بالعشر، وفيه أن الأربعين خصوصية في استحقاق استماع الكلام للأنبياء، كما أن لها اختصاصاً في ظهور ينابيع الحكمة من قلوب الأولياء بقوله صلى الله عليه وسلم: " من أخلص لله أربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه " والحكمة في تعيين عدد الأربعين: إن فيها كمال الكمال ذكرنا في البقرة.

وفي قوله تعالى: { فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } [الأعراف: 142] أيضاً دليل على أن ميعاد ربه في الحقيقة كان أربعين ليلة، وفي قوله تعالى: { وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي } [الأعراف: 142] الإشارة فيها: إلى أن موسى عليه السلام الروح يقول لأخيه هارون القلب عند توجهه لميقات الحق ومقام المكالمة والتصدي لتجلي ربه: كن خليفتي { فِي قَوْمِي } من أوصاف البشرية ونعوت الإنسانية { وَأَصْلِحْ } [الأعراف: 142] ذات بينهم على وفق الشريعة وقانون الطريقة، { وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [الأعراف: 142]؛ يعني: سبيل الهوى والطبيعة الحيوانية النفسانية؛ وهذا هو السر الأعظم في بعثة الروح من ذروة عالم الأرواح إلى حضيض عالم الأشباح؛ ليحصل منه خليفة من القلب الروحاني القابل للنور الرباني يكون خليفة، وخليفة رب العالمين بخلافته عند مجيء الروح لميقات ربه كما قال تعالى: { وَلَمَّا جَآءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } [الأعراف: 143]؛ يعني: ولمَّا حصل على بساط القرب تتابع عليه كاسات الشرب من صفو الصفات، ودارت أقداح المكالمات، واثر فيه لذا ذات أسماع الكلمات فطرب واضطرب، إذ سكر من شرب الواردات وتساكر من سماع الملاطفات في المخاطبات، فطال لسان انبساطه عند التمكن على بساطه، وعند استيلاء سلاطين الشوق وغلبات دواعي المحبة في الذوق { قَالَ رَبِّ أَرِنِيۤ أَنظُرْ إِلَيْكَ } [الأعراف: 143] قال: هيهات أنت للإثنينية منكوب وبحجب جبل الأنانية محجوب، وإنك إذا نظرت بك إلي { قَالَ لَن تَرَانِي } [الأعراف: 143]؛ لأنه لا يراني إلا من كنت له بصراً فبي يبصر، { وَلَـٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ } [الأعراف: 143] جبل الأنانية، { فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ } [الأعراف: 143] عند التجلي { فَسَوْفَ تَرَانِي } [الأعراف: 143] ببصر أنانيتك، { فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ } [الأعراف: 143] أنانيته { جَعَلَهُ دَكّاً } [الأعراف: 143] فانياً كأن لم يكن، { وَخَرَّ موسَىٰ صَعِقاً } [الأعراف: 143] بالأنانية، فكان ما كان بعد أن بان،

السابقالتالي
2 3